هبة القدسي

يعد وزير الخارجية المصري سامح شكري واحدا من الوجوه المعروفة في الدوائر السياسية الأميركية بعد عمله سفيرا للقاهرة في واشنطن لأربعة أعوام بدءا من 2008.. شهدت فيها مصر تغيرات سياسية وأحداثا جذبت انتباه العالم. يلقبونه في واشنطن بمهندس العلاقات المصرية الأميركية، ويستشهدون بمهاراته الدبلوماسية التي تساعده في التنقل بين أمواج متلاطمة بيد ثابتة، وأعصاب هادئة، ولغة لا تخلو من الدبلوماسية الحذرة، للحفاظ على الشراكة بين بلاده والولايات المتحدة ودول المنطقة.

 وتطرق شكري إلى قضايا حساسة تتعلق بالعلاقات المصرية - الأميركية، ورؤية مصر مستقبل العلاقات في ظل إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، والتنسيق في مجال مكافحة الإرهاب والقضاء على المنظمات الإرهابية والآيديولوجيا المتطرفة في العالم العربي. ويقلل شكري في حواره من التوتر الذي شاب العلاقات بين مصر والسعودية، مؤكدا العلاقات الراسخة التي تحكم البلدين قيادة وشعبا. ويشير إلى المبادئ التي تحكم سياسات مصر الخارجية تجاه المنطقة المضطربة والمبادئ التي تساندها مصر في رؤيتها للخروج من الأزمة السورية.
وفي مايلي نص الحوار:
* في زيارتك لواشنطن عقدت عدة لقاءات مع الإدارة الأميركية الحالية، ولقاءات مع أعضاء في إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، ومنهم نائب الرئيس المنتخب مايك بنس، إضافة إلى عدة لقاءات مع المشرعين الأميركيين. كيف ترى فرص مصر لتحسين وتوثيق العلاقات مع الإدارة الجديدة بعد التوترات التي شابت العلاقات مع إدارة الرئيس أوباما؟
- الهدف من اللقاءات التواصل مع الإدارة المنتخبة، وتوصيل رسالة من الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الرئيس المنتخب دونالد ترامب، تؤكد استعداد مصر لتعزيز العلاقات مع تولي الإدارة الجديدة المسؤوليات، والتعاون والتواصل الذي يحقق المصالح المشتركة والمصالح الإقليمية المتعلقة بتحقيق الاستقرار والقضاء على الإرهاب. هناك رغبة، ومصر مقبلة على إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، وتحتاج إلى دعم من الشركاء، ومنهم الولايات المتحدة الأميركية، وأن نذكي طبيعة العلاقات الاستراتيجية القائمة بين مصر والولايات المتحدة.
الاهتمام أيضا بالتواصل مع الإدارة الحالية في نهاية عهدها، لتحقيق إنجاز مرتبط باتفاقية في مجال حماية التراث والآثار المهربة، ومنع الاتجار فيها، وهذا إنجاز مرتبط بمفاوضات مطولة أتت بثمارها، وكان من الأهمية أن يتم تفعيلها لتحقيق مصلحة مباشرة للحفاظ على التراث والتاريخ.
أيضا التواصل في الكونغرس وصانع القرار الأميركي، فهناك تواصل بين المؤسسات الأميركية الإدارة والكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ، فتصدر التشريعات عن الكونغرس، ولذا كان لا بد أن تكون قيادات الكونغرس أيضا داعمة لتعزيز العلاقات، وتعمل على تحقيق المصلحة المشتركة، سواء على المستوى الثنائي أو الدولي. وقد التقيت عددا كبيرا من رؤساء اللجان المعنية بالشؤون الخارجية، واعتماد برامج المساعدات والاستخبارات والقوات المسلحة، وكلها دوائر لها اتصال مباشر في صياغة السياسات في المنطقة تجاه القضايا والتحديات التي تواجهنا في المنطقة. وكانت فرصا لشرح التطورات التي تحدث في مصر منذ تولي الرئيس السيسي بعد ثورة 30 يونيو (حزيران)، وخطوات مصر على طريق الإصلاح والتقدم وتحقيق الإرادة الشعبية، والاستماع إلى أفكار رؤساء اللجان ورؤيتهم كيفية تعزيز العلاقة وتقديرهم مكانة مصر وحيوية دورها.
* قضيتان تشغلان اهتمام صناع القرار الأميركي فيما يتعلق بالعلاقات مع مصر، الأولى قضية حقوق الإنسان، والثانية هي الحرب على الإرهاب، كيف ترى فرص التعاون مع إدارة ترامب المقبلة في مكافحة الإرهاب، وبصفة خاصة في سيناء؟
- التصريحات التي صدرت عن الرئيس المنتخب ومعاونيه كلها تشير إلى وضوح الرؤية في أهمية مكافحة الإرهاب، وتعزيز التعاون مع الشركاء الإقليميين للولايات المتحدة، لوضع سياسة وخطة تؤديان إلى تحقيق الهدف المشترك، وتعفي المنطقة من آثار انتشار هذه الظاهرة. ومصر تضطلع بدور مهم في مقاومة الإرهاب والعمل على القضاء عليه، سواء في الإطار الأمني وأيضا في مقاومة هذا الفكر من خلال ما طرحه الرئيس السيسي من تغيير الخطاب الديني، وما تقوم به المؤسسات الدينية المصرية من توضيح الطبيعة السمحة للدين الإسلامي والمغالطات التي تطلقها المنظمات الإرهابية لاستقطاب المؤيدين لها، وهي كلها دعاوى مغرضة وغير متسقة مع تعاليم الدين الإسلامي. وأيضا تعاوننا مع شركائنا الإقليميين والدوليين قائم ومستمر، ويتعزز مع مجيء الإدارة الأميركية القادمة للقضاء التام على هذه الظاهرة.
وحول ما يتعلق بحقوق الإنسان، فهي قضية مثارة في الكونغرس، ويتم تناولها بروح الصداقة نفسها، والتواصل القائم بين مصر وأصدقاء مصر في الكونغرس الأميركي، نوضح لهم رؤيتنا والتزامنا، وما استقر عليه المجتمع الدولي من دعم لمبادئ الحكم الرشيد والديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي جميعها حقوق أقرها الدستور المصري، وتعمل الحكومة على تنفيذها في إطار مناخ يسود مصر مختلف عن الدول الأخرى، وضرورة مراعاة هذه الظروف وفقا للقدرات المتوفرة، وقدرة الاستيعاب والحركة الاجتماعية.. وهي نهاية الأمر أمور تخص المواطن المصري ومرتبطة بتطور مصر إلى الأمام، والاستجابة لإرادة شعبية تمثلت في 25 يناير (كانون الثاني) و30 يونيو، والفيصل في نهاية الأمر هو تقدير المواطن المصري لهذه المبادئ والقيم وامتثاله لها، وشعوره بالأمان، وثقته بقيادة وحكومة توفران له المساحة اللازمة لممارسة حق التعبير، وأيضا حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فلا يستقيم الأمر إذا لم يجد غذاء وتعليما ورعاية صحية، فهو إطار متكامل لا بد أن يتحقق في جميع النواحي حتى يكون له أثره في تطور المجتمع.
* منذ إعلان فوز ترامب بالانتخابات والاتصال الهاتفي بينه وبين الرئيس المصري.. تترقب الأوساط تقاربا بين القيادتين وتنفيذا لوعود بزيارات متبادلة، هل هناك زيارة مرتقبة للرئيس السيسي تمت مناقشتها خلال لقاءاتك مع أعضاء إدارة ترامب الجديدة؟
- خلال التواصل بين السيسي وترامب بعد إعلان فوز الرئيس المنتخب، كان هناك تعبير بالاهتمام بالتواصل وتبادل الزيارات في وقت قريب، ويتم ترتيب مثل هذه الأمور من خلال القنوات الدبلوماسية ووفقا لارتباطات الرئيسين. ولكن لم يتحدد موعد حتى الآن.
* تذبذبت العلاقات المصرية السعودية، وشهدت بعض الخلافات، في رأيك كيف يمكن رأب الصدع في العلاقة بين البلدين؟ وما الدور الذي تقوم به مصر في هذا الصدد؟
- أؤكد أن هناك تفهما لبعض التكهنات والحديث المنتشر في الدوائر الإعلامية، لكن هذا الحديث يغفل أمرا مهما، وهي العلاقة الخاصة التي تربط مصر والسعودية، سواء على مستوى القيادة أو مستوى الشعبين، فهي علاقة لها طبيعة خاصة من التواصل والتاريخ المشترك، والمصير المشترك، وللشعبين تاريخ من العلاقات، ما يجعل الهدف هو تعزيز العلاقات ووضعها في إطار يؤدي إلى تحقيق مصالح الشعبين بقدر متساو. وهناك دور وتنسيق وتوحد في الرؤية إزاء كثير من القضايا المرتبطة بالأوضاع الثنائية والإقليمية والتحديات وطريقة مواجهتها، خصوصا فيما يتعلق بالأمن القومي العربي وأمن الخليج.
وقد أعربت مصر في كثير من المواقع تضامنها وتكاتفها مع المملكة ودول الخليج في مواجهة التحديات والتدخلات من أي قوى خارج المحيط العربي. الاهتمام بالمصلحة العربية تقتضي أن ترتكز على قوة العلاقة بين مصر والسعودية، وهذه الشراكة هي خير ضمان لمستقبل أكثر أمنا واستقرارا.
* بعد التصويت بالفيتو من قبل روسيا والصين على قرار مجلس الأمن أول من أمس الذي تقدمت به مصر ونيوزيلاندا، وفي ظل الإخفاقات المتكررة للتوصل إلى اتفاق روسي أميركي لوقف إطلاق النار وتوصيل المساعدات وبدء مفاوضات تؤدي إلى مرحلة انتقالية يتم فيها إنشاء هيئة حكم انتقالية.. كيف ترى إمكانية كسر هذه الحلقة المفرغة في الأزمة السورية؟ وكيف يمكن الحفاظ على مؤسسات الدولة - وفقا للدعوات المصرية - ثم محاولة حل الصراع ثم التعامل مع عملية الانتقال السياسي؟ وما مصير الأسد وفقا لهذا التصور؟
- لا جدال أن الشعب السوري تحمل واحدة من أعنف الحروب الأهلية في العصر الحديث، ولكسر هذه الحلقة المفرغة علينا قبول أي محاولات لعكس عقارب الساعة، واستعادة الوضع السابق في سوريا «وهم»، وكذلك الاعتقاد بأن التغيير سيأتي على يد الميليشيات الطائفية.. ورؤيتنا للمضي قدما في سوريا تقوم على دعامتين، الأولى هي الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلامة الإقليمية للدولة السورية، ومنع انهيار مؤسساتها. والثانية هي دعم التطلعات المشروعة للشعب السوري في إعادة بناء دولتهم من خلال حل سياسي مقبول، ويمثل كل الأطياف السورية، وتوفير بيئة مواتية لجهود إعادة الأعمار، وهذا هو سبب أننا ندعم جهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا، وندعوه إلى استئناف المفاوضات السياسية فورا دون تأخير. وقد استضافت مصر مؤتمرين في عامي 2012 و2015 جمعا جميع السوريين من مختلف الطيف السياسي.. وأثبتت مصر أنه يمكن التوصل إلى وثيقة شاملة لخريطة طريق قابلة للتنفيذ لتحقيق الانتقال من المحنة الحالية في سوريا، وهي الأسس التي استندت إليها كل الجهود اللاحقة.
والحفاظ على المؤسسات ومحاولة حل الصراع والتعامل مع عملية الانتقال السياسي كلها قضايا متتابعة، لا بد من معالجتها كلها معا، لكن من خلال وجهة نظر عملية سياسية، لأننا لا يمكن أن نستمر في دعم العملية نفسها التي شهدناها على مدى السنوات الخمس الماضية ونتوقع نتائج مختلفة، وبالتالي علينا تغيير المسار. ولتغيير المسار في المجتمع الدولي، سيصبح على مجلس الأمن ومبعوث الأمم المتحدة بدء عملية سياسية تشمل جميع المشاركين، والتوصل إلى اتفاق يشمل جميع الكيانات السياسية في سوريا، وهذه العملية ستغير بالضرورة الطبيعة الديناميكية في الحكم السوري، والأمر متروك للسوريين لتحديد مستقبلهم والطريقة التي يحكمون بها.
ومع إعلان الإدارة الأميركية الجديدة التزامها بالعمل مع الشركاء الإقليميين لمكافحة الإرهاب واستعادة الاستقرار في الشرق الأوسط فإن الأمر يتطلب التعاون لمواجهة هذه التحديات، وأعتقد أننا نتقاسم مع الإدارة الجديدة الاعتقاد الراسخ بأهمية استعادة الاستقرار والسلامة الإقليمية للدول في المنطقة لمواجهة التهديد المتزايد للإرهاب، وفي سوريا يمكننا العمل معا للتوصل إلى تسوية سلمية، وفقا لعملية فيينا وعلى أساس إعلان جنيف، وأيضا في ليبيا لدعم التنفيذ الكامل لاتفاق الصخيرات وتشكيل حكومة وفاق وطني شاملة.
* خلال مشاركتك في المؤتمر السنوي الثالث عشر لمركز سابان الذي ناقش التحديات التي تواجه إدارة ترامب في الشرق الأوسط ومنها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أغلق وزير الدفاع الإسرائيلي أي باب لطرح حل الدولتين، مستبعدا أي عملية تفاوضية على المدى القريب، في وقت يسعى فيه لشرعنة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، في رأيك ما الدور الذي يمكن أن تقوم به مصر للدفع بجهود حل الدولتين؟
- دور مصر واضح من الرؤية التي طرحها السيسي والتي يحتضنها المجتمع الدولي. إنهاء الصراع لا بد أن يرتكز على حل الدولتين من خلال مفاوضات مباشرة بين الأطراف والمجتمع الدولي يعتمد ذلك. والشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن قائمة على حل الدولتين، وهذا هو الإطار المطروح، وهو ما نسعى لتقريب وجهات نظر الطرفين لبدء مفاوضات لتحقيق هذا الهدف.
دائما مصر لا تكل ولا تمل في التواصل مع جميع الأطراف، سواء الحكومة الإسرائيلية أو السلطة الفلسطينية، وأيضا مع أطراف دولية فاعلة مع أميركا ومع فرنسا التي أطلقت مبادرة، ومع الاتحاد الأوروبي، ومع «الرباعية الدولية»، ولنا تواصلنا ونتشاور مع كل الأطراف بهدف التوصل إلى إقامة الدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال والعوائد التي تعود على المنطقة من طي هذه الصفحة من الصراع، ولكن الأهم هو تحقيق حقوق الشعب الفلسطيني لينعم بحقوقه ودولته.
دائما سنسعى لتحقيق ذلك، لأن الشعب الفلسطيني يستحق منا هذا الجهد، وجدير أن تكون له دولته المستقلة. والبديل عن حل الدولتين هو الاضطراب حتى لو كان على المدى القصير، واليأس وعدم وجود ضوء في نهاية الطريق لنفق طويل يمكن أن يضر الآمال في تحقيق الاستقرار والازدهار في المنطقة، وعلينا العودة إلى المفاوضات بحسن نية. وقد عرض الرئيس السيسي دعمه لأي مفاوضات مقبلة، ونحن على استعداد للتعاون مع جميع الشركاء لتحقيق نتائج مرضية للأزمة.