نعمت أبو الصوف

لقد توصلت "أوبك" إلى اتفاق، إذا ما نفذ بالشكل الصحيح، يمكن أن يسهم بصورة كبيرة في تخفيف أزمة وفرة المعروض التي ضغطت على أسعار النفط لنحو سنتين ونصف السنة. ينص الاتفاق على خفض مجمل إنتاج المنظمة بدءا من كانون الثاني (يناير) 2017 بنحو 1.2 مليون برميل يوميا إلى 32.5 مليون برميل من المستوى الحالي البالغ 33.64 مليون برميل يوميا. بالطبع بعض الأعضاء سيسهم أكثر من غيره في خفض الإنتاج.

وستسهم المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، بما في ذلك الكويت والإمارات وقطر بالجزء الأكبر من التخفيضات، مراهنين على حدوث انتعاش سريع في الأسعار للتأكد من أنهم لن يفقدوا عائدات أو حصة في السوق. سيسهم العراق وإيران بدرجة أقل، خصوصا إيران. الأعضاء الآخرون من أنجولا إلى فنزويلا، التي وافقت على خفض جزء من إنتاجها دعما للوصول إلى 1.2 مليون برميل يوميا، لديها سجل متفاوت في الامتثال للاتفاقات السابقة.

بعد توصل المنظمة إلى هذا الاتفاق، هرع المراقبون إلى تحليل الأرقام وراء الصفقة ــــ التي على العموم يجب أن تكون تناسبية بنحو 4.5 في المائة لجميع الدول عدا نيجيريا وليبيا. والأرقام الصادرة عن المنظمة تظهر في الواقع اتفاقا لخفض 1.2 مليون برميل في اليوم، كما أسلفنا. تعهدت المملكة العربية السعودية بخفض 486 ألف برميل يوميا إلى 10.058 مليون برميل يوميا، يتحمل العراق 210 آلاف برميل إلى 4.351 مليون برميل يوميا. الإمارات وقطر والكويت ستكون حصتها مجتمعة من الخفض نحو 300 ألف برميل يوميا. وفي التفاصيل، الإمارات ستخفض إنتاجها بنحو 139 ألف برميل إلى 2.874 مليون برميل يوميا. أما الكويت، فتعتزم تخفيض إنتاجها 131 ألف برميل إلى 2.707 مليون برميل يوميا. غير أن قطر ستتحمل فقط خفض 30 ألف برميل إلى 618 ألف برميل يوميا.

بالنسبة إلى إيران، فإن الأمر أكثر تعقيدا وينطوي على استخدام الأرقام التي يعتقد عديد من المحللين أنها مبنية على الاعتقاد أكثر من الواقع. بما أن إيران أمضت سنوات في ظل العقوبات، اتفقت "أوبك" على أنها ستجمد إنتاجها عند 3.797 مليون برميل يوميا مقارنة بـ 3.975 مليون برميل قبل الاتفاق. وباقي الحصص الفردية للأعضاء، فتتوزع على الشكل الآتي: فنزويلا ستخفض 95 ألف برميل إلى 1.972 مليون برميل يوميا، الجابون تسعة آلاف برميل إلى 193 ألف برميل يوميا، الإكوادور 26 ألف برميل إلى 522 ألف برميل يوميا وأنجولا ستخفض إنتاجها بـ 80 ألف يوميا إلى 1.673 مليون برميل يوميا.

التحدي الأكبر يأتي من نيجيريا وليبيا، وهما البلدان المعفيان من هذه الصفقة. بعد أن تأثرتا بالصراعات وانقطاع الإمدادات. هذان البلدان لهما إمكانية كبيرة لزيادة الإنتاج.

بعض المنتجين الرئيسين خارج "أوبك" قدموا أيضا وعودا بخفض الإنتاج بنحو 600 ألف برميل يوميا، إيفاء هذه الدول بالتزاماتها سيؤثر في نجاح الصفقة. روسيا هي أبرز هذه الدول، فهي ستأخذ حصة الأسد من هذا التوزيع متعهدة بخفض إنتاجها بمقدار 300 ألف برميل يوميا. لكن هناك شكوكا حول مدى التزام روسيا بهذا التعهد. تصريحات المسؤولين الروس العلنية قبل اجتماع "أوبك" ركزت على تجميد الإنتاج ـــ عند المستوى الحالي المقدر بـ 11 مليون برميل في اليوم وهو أعلى مستوى منذ انهيار الاتحاد السوفياتي ــــ لا خفضه. ويتوقع عديد من المراقبين أن مساهمة روسيا يمكن أن تكون نتيجة تراجع الإنتاج الطبيعي والتباطؤ في زيادة الإنتاج بدلا من التخفيض المبرمج.

في الأماكن الأخرى خارج "أوبك"، ليس من الواضح تماما من أين سيأتي باقي الـ 300 ألف برميل في اليوم. أبدى كل من كازاخستان وعُمان بعض الاستعداد للمساهمة، لكن التفاصيل غير واضحة. من المتوقع عقد اجتماع بين "أوبك" والدول غير الأعضاء في التاسع من كانون الأول (ديسمبر) في الدوحة - قطر لمناقشة جميع هذه المواضيع.

من جهة أخرى، سيدعم هذا الاتفاق منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة، الذين ارتفع إنتاجهم بصورة كبيرة في النصف الأول من هذا العقد وكان منافسا قويا لـ "أوبك" حتى الآن. انهيار أسعار النفط قد أثر سلبا في صناعة النفط الصخري، ولكن أقل مما كان متوقعا: حيث تراجع إنتاج الولايات المتحدة من الذروة التي بلغت 9.6 مليون برميل في اليوم في نيسان (أبريل) 2015 إلى 8.58 مليون برميل في اليوم في أيلول (سبتمبر) 2016، وفقا لبيانات وزارة الطاقة الأمريكية.

إنتاج النفط في الولايات المتحدة قد يكون بالفعل وصل إلى القاع، وعدد منصات الحفر العاملة في تشكيلات النفط عادت إلى أعلى مستوى لها منذ كانون الثاني (يناير)، لكن يستغرق بعض الوقت لحفر وإكمال آبار جديدة.

بعد الإعلان على الاتفاق مباشرة، قفزت الأسعار الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط فوق 50 دولارا للبرميل، وهو المستوى الذي عنده بعض الآبار يمكن أن تحقق أرباحا في تشكيلات النفط الصخري بما في ذلك العصر البرمي في ولاية تكساس، ودنفر ــ جوليسبورج في ولاية كولورادو، وستاك في أوكلاهوما. شيء واحد مؤكد ـــ هو أن النفط الصخري في الولايات المتحدة سيستجيب لارتفاع الأسعار وسيبدأ الإنتاج في الارتفاع قريبا من جديد.

لم تكن بورصات العقود الآجلة والمضاربين الذين يتداولون كميات كبيرة من النفط يتوقعون توصل "أوبك" إلى اتفاق لخفض الإنتاج. بعد الإعلان عن الاتفاق وفي وقت متأخر من يوم الأربعاء الماضي، تم تداول أكثر من 1.7 مليون عقد «برنت» في الأسواق الآجلة، أعلى بكثير من الرقم القياسي السابق البالغ 1.5 مليون عقد المسجل في تموز (يوليو) 2014. وفي بورصة نيويورك التجارية (نايمكس)، تم تداول أكثر من 2.4 مليون عقد آجل لخام غرب تكساس الوسيط، متجاوزا الارتفاع الأخير عند 1.9 مليون عقد المسجل في التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر)، بعد يوم واحد من الانتخابات الأمريكية. استمرار هذا الهيجان في الأسواق الآجلة يعتمد على مدى التزام أعضاء "أوبك" بالاتفاق. عدم اليقين يمكن أن يثير مزيدا من التداول.