سارة مطر

هل يمكن أن يتم تقنين دخول الفاشينستا إلى مجمعات التسوق بكثير من الهدوء دون هرج ومرج وصراخ؟

في الحقيقة نحن نتعامل مع ضلالات ليس إلا! لا يوجد شيء واضح أمامنا، تأتي السيدة الأنيقة من بلد مجاور، لأن عدد متابعيها في برنامج التواصل الاجتماعي "سناب شات"، يفوق عدد سكان إحدى القرى البعيدة، ماذا تفعل هذه السيدة التي يطلق عليها اصطلاحا فاشينستا؟ إنها تقوم على تسويق كل منتج يتم إهداؤه إليها، إلى جانب حصولها على النسبة الربحية على كل منتج تقوم بالتسويق له، تحفظ عددا من الكلمات لتقولها على شاشة الجوال أمام جمهورها العريض والمتعطش للمنتج الذي ينام في مخزن الشركة، بسبب أن البائع في المحل لم يكن يحسن دغدغة المشترين، أو لأن إدارة المنتج لا تملك المال الكافي لكي تتجه إلى القنوات الفضائية للإعلان عنه، فالطريقة الأكثر سهولة أن تأتي بعدد من المانيكان، يضعن الشعر المستعار، أو وصلات الشعر الملونة، ويرتدين عدسات ملونة، ويتبخترن بملابس على آخر صيحة لم يدفعن ثمنها، فقط لكي يقوم على عرضها هؤلاء المانيكان أو المسوقات بطريقة أكثر تجميلية، إنها تخاطب متابيعها إلى أهمية شراء هذا المنتج، لأنه ساحر وفتاك ومذهل، وأنه "آخر حبة"، وهنا تتهافت المراهقات لكي يشترين ذلك المنتج الساحر، من امرأة سحرتهن بمظهرها وجرأتها وسفرها المتكرر هنا وهناك، أي يمكن أن تحفلها هذه المانيكان، غير ذلك أنها ستحظى بجمهور ساذج للأسف، يصفق لأنها رفعت صحن البسبوسة وقبل أن يصل إلى فمها تقول عبارتها التي ترددها في كل محفل تصل إليه "لذيذ، نار، لحقوا عليه يا بنات، لا يطوفكم، والله على ضمانتي"، وهكذا البعض الذي يجد نفسه منجذبا ليشاهد حياة متحركة تختلف إلى حد ما عن حياته، تتحدث برفاهية عن أحدث غسول الشعر، وكيف له بغمضة عين يصبح الشعر سائحا وحريرا، وكل ذلك من بركات المنتج الذي تقوم الفاشينستا بالتسويق له.
إستراتيجية البيع الآن بدأت تأخذ مسارا آخر، وعلينا شئنا أم أبينا أن نتعايش مع هذه الظاهرة، نتعايش لكن لا ندفعها لكي تستمر، جنون الفتيات تجاه حياة الفاشينستا بلغت الذروة، بدأن كأنهن أسطورات لمراهقاتنا البريئات، يتابعن كل ما تقوم هذه المانيكان أين سافرن؟ وما الحصيلة اليومية التي يعدن بها إلى البيت أو الفندق؟ وتصير المنتجات التي يجلبنها معهن هي مطمع كل فتاة مراهقة، حتى ينمو بداخل كل مراهقة لم تألف مثل هذه الحياة وحشا فتاكا، يريد أن يعيش في ذات الحياة التي تعيشها هذه الفاشينستا التي بدأت تحصد الأموال وتشتري السيارات، وشاليها على بحر، وتعيد من جديد غز وفرك وجهها لتكون أكثر نضارة عن غيرها ممن ينافسنها في هذا السوق الذي لا تستطيع أن تضع له شروطا أو أحكاما، لأنه عمل حر بكل بساطة.
دأبت الفاشينستات على حضور عدد من الفعاليات التي تقوم بها عدد من المحلات التجارية، وحتى تحصد أكبر عدد ممكن من الحضور، فيجب توفير حراسة كافية وشاملة على الفاشينستا التي ساعتها محسوبة بالريال، وأي إضافة على برنامج الحفل يعني أن صاحب المحل يتوجب عليه دس الفلوس في حساب هذه المانيكان رفيعة الشأن، والذي يعتمد وجودها على قص الشريط وتتبع صراخ الفتيات وهن يطالبن بالتصوير معها، بينما تمشي المانيكان في وسط السوق داخل المملكة، تلبس العباءة ولا تغطي شعرها، وحولها مئات المراهقات يرفعن جوالاتهن في محاولة بائسة، لالتقاط نصف صورة مع الفاشينستا التي قبل عام لم تكن شيئا يذكر!
قمت بإرسال الفيديو الذي وصلني إلى صديقتي المصرية هبة رجب، وقلت لها ماذا تتوقعين هذا الحدث؟ فأجابتني لا أعلم فتيات منقبات يصرخن عاليا، وسيدة تكشف رأسها في السعودية ومحاطة بحراس أمن، لكن يبدو أن مثل هذه الأجواء تعجبها جدا، ضحكت هبة وهي تقول: يا إلهي إنها تتحرك وكأنها ليدي ديانا!!
بعد أن أعدنا مشاهدة الفيديو القصير لمرتين، كنا نمتلئ دهشة أكثر من الدهشة الأولى، وهكذا، حتى نظرت إليّ هبة وقالت: "أنا لما كنت آجي للسعودية كان لا بد لي أن أغطي شعري، أمال هي مش مغطية شعرها ليه؟ وبعدين كمية المكياج والرموش هي رايحة فرح وإلا بتفتتح محل؟". هذا ليس تساؤل هبة فقط، وإنما تساؤل أي شخص يمكن أن يشاهد فيديو لأي فاشينستا تتم دعوتها لحضور افتتاح محل للعطور أو محل لبيع الكيك المكعب، أو حتى محل يقدم وجبات عادية، المهم في ذلك أن الدفع سيكون بشكل جيد جداً، ولن تعود لدارها من دون أن تقبض شيئا "وشويات" من الريالات، ولا يسعنا هنا إلا أن نبارك لها ولغيرها، إذ يبدو أننا نظهر أمامهن مجرد أناس لا يدركون ما يحتاجون إليه، إلا حينما تأتي شخصية ما لكي تقرر عنا الأهم الذي يجب أن نحصل عليه، وطبعا نحن نصدقها ونهرع لشرائها دون أن نعلم أن هذه الدعاية ليست "بلوشي" أبدا.
كثرة تعدد الفيديوهات التي تقوم المراهقات بتصويرها في المجمعات في حال وجود أي فاشينستا، وحينما يبث في معظم وسائل التواصل الاجتماعي، فإنها تعطي انطباعا سلبيا عن فكر المراهقات اللاتي بدأن يمجدن مثل هؤلاء المانيكان ويعاملنهن معاملة غريبة جداً، تصل لحد الهوس، الفيديو الذي يشاهده المصري والكويتي والأردني والجزائري، أول ما سيتبادر في ذهنه، هل يمكن أن يحدث ذلك في السعودية؟ هل يعقل كل هذا الصراخ الذي ضج به المكان، فقط لأن سيدة قامت بزيارة لافتتاحه؟ وللعلم فإن وجودها مرتب مسبقا من قبل الإدارة القائمة على ذلك، والعتب ليس فقط على الأسر التي تركت بناتها يشجعن مثل هذه النماذج، وإنما العتب على من سمح بأن تتحول أسواقنا إلى أماكن لتجمعات المراهقات بسبب فاشينستا تعلمت كيف تضع الرموش الصناعية بجدارة، لذا، فهي تستحق كل هذه الشهرة!
لذا على الجهات الرسمية أن تتدخل وبسرعة كبيرة، لتوقف مثل هذه المهازل، لتوقف تصوير مثل هذه الصور التي تصل للقاصي والداني، ويبدأ الجميع في التندر علينا، وكم هذا محزن. هل يمكن أن يتم تقنين دخول الفاشينستا إلى مجمعات التسوق بكثير من الهدوء دون هرج ومرج وصراخ، فالحماية التي تحصل عليها الفاشينستا ذكرتني بالشهود في الأفلام الأميركية حينما تتم "محاوطته" خوفا عليه من الاغتيال.
رجائي الخاص من جهاتنا الرسمية، وتحديدا وزارة الداخلية، أن تتصفح عدد الفيديو الذي تم تصويره خلال تواجد أي من الفاشينستا لكي تقدر القيمة السلبية التي تصل إلى العالم عن الوضع الذي تعيشه مراهقاتنا، وكيف تحولنا أمام المجتمعات الأخرى وكأننا لم نخرج إلى العالم يوما أو حتى نتعرف على قيم الحياة، نريد ردا حاسما، نريد موقفا يحفظ لنا هيبتنا، ويهدئ من روع المراهقات تجاه أحلامهن في أن يصبحن أكثر حرية من هؤلاء فتيات لعبة "البيبي دول".