عثمان الماجد

اغتبط الشعب البحريني بانعقاد قمة دول مجلس التعاون الخليجي السابعة والثلاثين على أرضه وفي ضيافة مليكه المفدى جلالة الملك حمد بن عيسى حفظه الله ورعاه، وعلى خلفية زيارات خادم الحرمين الشريفين عشية القمة إلى كل من دولة الإمارات المتحدة وقطر، ارتسمت في الحال بشائر الفرح في فضاء الإقليم قاطبة آملة بنجاح القمة، وترقب مواطنو دول المجلس، كل في بلده، أن يصحوا على وقع البيان الختامي الذي سيكون قد صدر عن القمة ويتم فيه الإعلان عن قيام الاتحاد وتشكل قوة اقتصادية وسياسية جديدة يُحسب لها في العلاقات الدولية حسابا. ليس في مثل هذه الخلاصة شيء من هلوسة أو مغالاة، وإنما هذه هي الخلاصة الحقيقية التي ينبغي أن ينطق بها الواقع بعد أكثر من 36 عاما تحققت خلالها الكثير من المنجزات الاقتصادية والسياسية والأمنية.

عن نفسي أخبركم بأنه ما من أمنية في حياتي شعرت معها قط بوقع رنين ذي صفة جمعية، مدوٍ متصاعد في مسامعي مثل تلك الأمنية التي يمتد عمرها 36 عاما، وقد تكاثفت هذه الأمنية يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين حين التأم شمل قادة دول مجلس التعاون في قمة الصخير بمملكة البحرين، فرفعت كفي إلى السماء لاهجا بالدعاء بأن يوفق الله قادتنا الكرام؛ ليتخذوا قرارا ما فتئ يحلم به شعب الخليج العربي بأن يصيَّر هذا الحلم واقعا ملموسا يضم هذه الدول في اتحاد، لا يهم عدد الدول التي ستنضوي تحت رايته لحظة ولادته؛ لأن لكل دولة ظروفها الراهنة، ولكنها مع ذلك ستنضم يقينا إلى الركب في أوقات لاحقة عندما تتهيأ لها الظروف؛ لتستكمل جميع حبات عقد هذا الكيان السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتاريخي الحيوي لمواطني الخليج العربي حاضرا ومستقبلا.

لكل قمة من قمم قادة دول مجلس التعاون الخليجي أهميتها؛ لأن في كل واحدة من هذه القمم كانت هناك ملفات جديدة تُفتح وأخرى تم الانتهاء منها فتغلق. وهذا من مؤشرات متانة القاعدة التي سينشأ عليها الاتحاد ويؤسس لها القادة الكرام. لكن السؤال الذي يطرح نفسه - وهو سؤال يتناقله المواطنون من قمة إلى أخرى، وخصوصا في القمم الخمس أو الست الأخيرة - هو هل يا تُرى سيستمر مواطنو مجلس التعاون في حمل أمنيتهم هذه إلى ما لا نهاية، ليتحملوا رعب التهديدات المتقاطرة عليهم شرقا وغربا،

وقلق التدخلات الموعودة لتغيير خارطة المنطقة، ومتاعب الخوف من المجهول إلى القمة الأخرى؟ إن تأخير ترجمة حلم الوحدة إلى حقيقة واقعة يفضي إلى مراكمة أكلاف باهظة لا أظن زعماءنا غافلين عنها؛ فلكلّ يوم يمضي يزداد نصيبه في ارتفاع هذه الكلفة. ولعل إيران التي لن يفرحها بالتأكيد اتحادنا، هي أول المستفيدين من هذا التأخير. ولذلك فإنها لن تترك المنطقة دون تدخلات في محاولة منها إفشال مساعينا الوحدوية اليوم وغدا، كما فعلت بالأمس.

واقع الحال والمنطق السياسي السليم يحتم علينا الإقرار بأن صيغة الاتحاد هي المتحول الأخير الذي ينبغي أن تؤول إليه حالة التعاون، ولهذا فقد كانت، وعبر مختلف القمم التي عقدها قادة دول المجلس وخصوصا بعد الأحداث المدمرة لما سُمي بـ«الربيع العربي»، حاضرة وبقوة منذ أن أعلن الراحل الكبير خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله ضرورة الانتقال إليها منهين مرحلة التعاون؛ أي المرحلة التي تشير إلى أن دول المجلس نجحت في وضع الركن الاقتصادي والأمني اللازمين لهذا الاتحاد لتكتمل معهما بقية الأركان المعطاة ربانيا من وحدة التاريخ والعقيدة والدم والجغرافيا. كل المعطيات التي تحتم الإعلان عن هذا الاتحاد متوافرة، ولم يتبقَ، في تقديري، غير الاتفاق على وحدة الاستشعار الحقيقي بالخطر الداهم الذي يتهددنا منفردين، ليتراجع حين نكون متحدين. ليس معنى استهداف إيران لدول بعينها اليوم هو أن تبقي دولا أخرى في مأمن من تدخلاتها واستهدافاتها. لا، فمع استمرار الملالي في الجهر بالتهديد وبتصدير «ثورتهم» فإن كل الدول الخليجية، تكون في دائرة الاستهداف مهما كانت علاقاتها اليوم ببعض دوله تبدو مستقرة مع هذه الدولة الراعية الأولى للإرهاب.

تحت صيغة التعاون حققت دول المجلس إنجازات كثيرة، وقد سلط الإعلام الضوء عليها، وهي فعلا مصدر فخر واعتزاز لمواطني دول المجلس، ولكن الأجمل أن يتحقق الاتحاد الذي هو قمة جبل الإنجازات، أساس الرخاء الاقتصادي والاجتماعي. صحيح أن السعي الحثيث إلى التوحد في كيان واحد لا ينبغي أن يتم على عجل؛ حتى لا ينتهي كما انتهت إليه تجارب وحدوية سابقة، وأقربها حضورا في الذهن الوحدة بين شطري اليمن، بل يجب التروي في كل الخطوات والمراحل ضمانا لثبات المسير والمسار وحرصا على وردية المصير.

 إلا أن التروي لا يعني التباطؤ خاصة بعد توافر ممهدات النجاح جميعها، وتمكن دول مجلس التعاون من تجاوز كل المحن التي زُرعت في سبيلها في الأعوام الأخيرة بعزم وثبات رسخا روح التآخي وطردا كل مؤامرات التشتيت والتفرقة التي راهن عليها أعداؤنا شرقا وغربا؛ لقد قطعت دول مجلس التعاون خطوات عملاقة على طريق إعداد وحدتها المأمولة وتهيئتها في كل المجالات، ولم يبق إلا اقتناص اللحظة التاريخية لإعلان هذه الوحدة، وخط ملحمة جديدة ستجعل الريادة عنوانا مطلقا لدول مجلس التعاون الخليجي.

إن التحول من صيغة التعاون إلى صيغة الاتحاد يبعث برسالة سلام إلى دول العالم؛ إذ الوقت قد أزف لتأخذ دول المجلس مهمة الدفاع عن كيانها ومصالحها بقواها الخاصة غير معولة على أي كان مهما كانت درجة التحالف معه، خاصة بعدما أماطت الوقائع القريبة اللثام عن كثير من هؤلاء الحلفاء. والأمر المؤكد اليوم أنه لا يجوز في عالم التحالفات أن تعيش دولنا منعزلة، وعلينا بعد أن تنشِئ دولنا اتحادها أن نبني تحالفاتنا مع دول قوية، ولكن بشرط أن نكون نحن أيضا أقوياء. 

بكل الأحوال، فإن المواطنين على يقين من أن الإعلان عن الاتحاد بين دول مجلس التعاون الخليجي مرهون باكتمال الرؤية بشمولية لدى قادة دول المجلس. ولتحقيق هذه الرؤية يتطلب منا، بالتأكيد، مزيدا من الانتظار والروية. إن الواقع بمعطياته وشواهده ووقائعه يقول بأن الاتحاد قادم لا محالة. وأن مستقبل دول مجلس التعاون الخليجي، سواء أكانت آحادا أو مجتمعة، يتوقف على إعلان مثل هذا القرار متى حان الوقت ودقت الساعة.