باسم الجسر

ابتهاج النظام السوري بدخول قواته إلى حلب القديمة بعد أن مهد الحلف الروسي - الإيراني لها الطريق، لا يعني أنه تغلب على المعارضة والثورة الشعبية العارمة التي تقاومه منذ ست سنوات. وحتى لو أن الحلف الدولي تمكن من القضاء عسكريًا على «داعش» في سوريا والعراق؛ فإن معظم المراقبين مجمعون على القول بأن الإرهاب سيستمر، ولكن بأشكال وأبعاد جديدة. ويستصعب الجميع على النظام الحاكم اليوم في سوريا، وخاصة رئيسه، الاستمرار في حكم شعب قتل منه مئات الألوف ودمرت مدن بأسرها وتشرد الملايين من أبنائه.
المعركة، إذن، مستمرة. وإن كان «اللاعبون» تغيروا، أو زاد عددهم أو نقص.. وسواء تلاقت مصالحهم أو تعارضت، ولا سيما أن الصراع أو بالأحرى الصراعات الدائرة في المنطقة، وفي سوريا خاصة، لم تعد وطنية أو قومية أو مذهبية وحزبية فحسب، بل باتت أيضًا إقليمية ودولية.
الجميع ينتظرون موقف الرئيس الأميركي الجديد مما يحدث ويعلقون بعض الآمال على «الغزل» المتبادل بينه وبين الرئيس الروسي. ولكن المصالح الكبرى الأميركية والروسية في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط أكبر من أن يقررها «الاستلطاف المتبادل» بين الرئيس الأميركي الجديد الآتي بأفكار ومشاريع جديدة، وبين الرئيس الروسي الدائم، والمصفي في مشاركته في الحرب السورية حسابات تاريخية دينية مع الشرق، وعقائدية اقتصادية عصرية مع الغرب.
ثم إن هناك على هامش الحرب على الإرهاب، و«داعش» خصوصًا، وعلى المعركة بين النظام السوري ومعارضيه الثائرين عليه، بل في صميمها، صراعات ومصالح إقليمية عناوينها: تركيا والأكراد، إيران ومشروعها للهيمنة، اليمن والدعم الإيراني للحوثيين. ولا ننسى الحلف السعودي الدولي لمقاومة الإرهاب، وتصميم المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي على صد وإحباط مشروع الهيمنة الإيرانية على المنطقة. ولا معركة عالمية جديدة لا بد من كسبها أو تلافي تضاعفها ونعني «النقزة» الغربية الأوروبية - الأميركية من المسلمين والإسلام من جراء العمليات الإرهابية التي تعرضت لها بلادهم وكان منفذوها من أتباع أو أنصار «داعش». وهي عمليات أضرت بملايين المسلمين المقيمين في الغرب، وباتت تهدد بوصول أحزاب يمينية قومية إلى الحكم في الدول الغربية تحت شعار «الدفاع عن القيم والحضارة الغربية المسيحية». وما قد يترتب عن ذلك من تردي العلاقات وربما صدام بين الشرق والغرب.
أكثر من سؤال ارتسم أمام مراقبي الأحداث بعد التطور الميداني الذي شهدته مدينة حلب القديمة، لعل أهمها ثلاثة؛ الأول هو عن موقف الرئيس الجديد للولايات المتحدة من الصراعات في سوريا؟ وهو سؤال بات مفروضًا عليه الإجابة عنه نظرًا لمواقف سلفه الفاترة والمحيرة. والثاني هو عن إمكانية، إن لم نقل ضرورة توحيد موقف الدول الكبرى الثلاث، ونعني مصر والسعودية وتركيا من الصراعات في سوريا والمنطقة. والثالث وهو العثور على الطريق الصحيح والطريقة الناجعة للقضاء على جذور الإرهاب غير - أو بعد - اللجوء إلى القوة العسكرية. وقد يكون هذا هو السؤال الصعب الجواب عنه.
لقد تعرض الرئيس الأميركي المنتهية مدته أوباما لانتقادات قاسية على موقفه المائع أو الحائر من الصراع في سوريا. ولكنه لم يشأ ارتكاب الخطأ الفظيع الذي ارتكبه سلفه بوش في غزوه العراق. أما الرئيس الروسي بوتين فقد انتهز فرصة استنجاد النظام السوري به كي يهرع ليدخل الساحة السورية من الباب الكبير ويقيم قاعدة عسكرية على شاطئ البحر المتوسط، محققًا حلمًا روسيًا تاريخيًا بالوصول إلى المياه الدافئة، وممسكًا بورقة يقايض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بها ردًا على تمددها إلى حدود بلاده وفرض عقوبات عليها.
الرئيس الأميركي الجديد قد لا يرسل قوات أميركية إلى سوريا أو الشرق الأوسط تلافيًا للاصطدام بالقوات الروسية، ولكنه لن يدع إيران وروسيا تكسبان الحروب فيهما. وفي الوقت الذي كانت قوات النظام السوري تدخل حلب القديمة كانت واشنطن تتحدث عن تزويد المعارضة السورية بصواريخ أرض - جو. أما الدول الأوروبية، ولا سيما فرنسا وبريطانيا وألمانيا، فلن تبقى مكتوفة الأيدي متفرجة على المناورات الروسية والأميركية. ومن دلائل اهتمامها حضور رئيسة وزراء بريطانيا إلى الخليج لحضور مؤتمر قمة دول مجلس التعاون الخليجي، وما تبذله فرنسا وألمانيا في سبيل وقف القتال في الشرق الأوسط لصد امتداد الإرهاب إلى أراضيها.
لا شك في أن «الكسب» العسكري والمعنوي الذي أحرزه الحلف الروسي - الإيراني - النظامي في حلب يعتبر انتكاسة للثوار والمعارضة السورية، أو معركة ربحها الحلف. إلا أن القتال في سوريا لن يتوقف ولا الإرهاب المرافق لها. ولا نغالي إذا قلنا إن ما من طرف من الأطراف المشاركة فيه يستطيع الجزم في مآله وحده. وأخطر من ذلك هو اختلاط أوراق المتقاتلين الدوليين والإقليميين، ولا سيما، ولسوء الحظ، الدول العربية.
وإنه من المبكر والسذاجة الاعتقاد بأن معركة حلب هي ستالينغراد النظام السوري ونقطة تحول في «حرب - الحروب» الدائرة في سوريا.