شتيوي الغيثي

عدد من القرارات ابتُدئ العمل عليها أو تنفيذها منذ حوالي أكثر من شهرين بحيث حصلت تغييرات عديدة على مستوى مؤسسات الدولة أو الجوانب الاقتصادية أو الجوانب الثقافية، وربما التنموية على مدى السنوات القريبة القادمة إذا ما بقي الحال كما هو عليه الآن، إضافة إلى القرارات القادمة التي تلوح في الأفق والتي تمرر للصحافة بين فترة وأخرى تمهيداً إلى تنفيذها خلال الفترة القريبة. وهذه التغيرات تفترض تغيرات على مستوى التفكير في المعالجات على كافة المستويات بلا استثناء؛ إذ لا يمكن الحديث في السعودية، أو حتى في غيرها خليجيا وعربيا، عن أي تطور ثقافي أو اجتماعي أو تنموي بمعزل عن بعضها البعض كما هو دارج في الكتابات التي تتناول أي موضوع من هذه الموضوعات، إذ يستلزم الحديث عن أي موضوع منها التطرق ولو بشكل بسيط إلى الجوانب الأخرى، فإذا ما تحدثنا عن الجانب الثقافي مثلا فإن الجانب الاقتصادي والتنموي سوف يحضر بشكل صريح أو بشكل ضمني والحديث عن الجانب التنموي سوف يقودنا إلى الجانب الديني أو الاجتماعي إضافة إلى الجوانب السياسية التي هي في الأخير المحرك الأكبر في سياق ما يجري من أحداث. الإشكالية التي تحصل أنه يتم معالجة جانب من الجوانب بمعزل عن أي جانب آخر إذا ما كان هناك خلل ما، وهذه المعالجة عادة ما تكون قاصرة، إذ سرعان ما تنكشف هناك مشكلة أخرى في جانب آخر والسبب هو النظر إلى الأمور بنوع من التجزئة التنموية إذا صح التعبير أي التعامل مع قضايانا ومشاكلنا بوصفها مشاكل أحادية وليست مركبة. لكن يبقى ما هو أهم من كل ذلك، وهي المشاركة المجتمعية في كل القضايا المطروحة لديه بحيث يكون المواطن فاعلا اجتماعيا وليس فقط مستقبلا أو حالة تنفيذية لا أكثر ينفذ ما يأتيه من قرارات قد تمس معيشته اليومية التي كان من المفترض أنه هو أول الذين كان يجب التعاون معه وإعطاؤه أهمية في اتخاذ قرار معيشته اليومية، لذلك تبرز أهمية وجود مؤسسات المجتمع المدني. وحده المجتمع المدني لم يتطرق إليه أحد حتى الآن رغم أهميته على المستوى الفكري والثقافي والاقتصادي والتنموي. والحديث عن المجتمع المدني هو حديث في القضايا جميعها بلا استثناء وكذلك حديث تركيبي وليس تجزيئيا، كما في حالة معالجاتنا الحالية في قضايا الاقتصاد والحريات الدينية والمدنية وحريات المرأة والطفل وحقوق الموظفين وحقوق الصحافة وغيرها. إنه حديث في كل القضايا التي تمس المواطنين وتجعلهم شركاء في القضايا التي تهمهم وليسوا تنفيذيين فقط، بدءا من مفهوم الدولة الحديث وعلاقتها بالدين إلى سؤال الحريات الشخصية البسيطة، كما أنه حديث في مدى قابلية المجتمعات للتغير نحو مفهوم أكثر مواطنة فيما بين بعضها البعض. كل هذه القضايا يثيرها مفهوم المجتمع المدني لأن القضايا متداخلة، التداخل الذي يصعب الحديث حولها دون التطرق إلى ما تثيره من إشكاليات ثقافية وسياسية ودينية طويلة المدى، رغم الحديث عنها منذ سنوات، ومحاولة الكثير من المثقفين التطرق لها دون أن تؤتي ثمارها حتى الآن في التغلغل في طيات المجتمع بحيث تكون مكونا من المكونات الثقافية للمجتمع السعودي. القضايا السعودية مجتمعة (اقتصادية، اجتماعية، دينية، تنموية، ثقافية، سياسية) لا يمكن الحديث عنها في ظل غياب المجتمع المدني ومؤسساته وأهميته إلا أن سؤال المجتمع المدني ما زال غائبا وتم الاقتصار حول الإصلاحات دون غيرها رغم اتصال المفهومين ببعضهما اتصالا وثيقا. صحيح أن مفهوم المجتمع المدني متغير حسب العصر وحسب الأيديولوجيا التي تتبناه بحيث يصعب القبض على مفهوم محدد يمكن الاتفاق عليه شأنه شأن أكثر المفاهيم التي نتداولها على المستوى الفلسفي والديني والثقافي والسياسي بشكل عام، وصحيح أنه يمكن العمل على مفاهيم مجاورة له كمفهوم المواطنة إلا أن ذلك لا يعني تغييب مفهوم المجتمع المدني لأنه هدف في العملية التطويرية، وليس وسيلة كونه يحفظ حقوق الناس والضامن الشعبي لتحقيق كثير من الإصلاحات ومدى تنفيذها، خاصة فيما يمس حياتهم كقضايا التعليم والصحة والإسكان وغيرها من القضايا المصيرية. إن غياب مفهوم المجتمع المدني في المشاريع التنموية أو الثقافية أو حتى الاقتصادية هو غياب لمفهوم المساواة والعدالة والحريات نفسها لاتصالها الوثيق بمفهوم المجتمع المدني، (وليس فقط مؤسسات المجتمع المدني)، وسوف تبقى كل عمليات التطوير أو التغييرات الحديثة مجرد تطويرات لا تصب في الهدف الحقيقي وهو التطور الثقافي والاجتماعي الذي يمكن له مع الوقت أن يدخل في إطار المجتمعات الفاعلة أو المجتمعات المنتجة، فإذا غابت حقوق المواطنين في العمل مثلا فإنه لن تكون لهم الدافعية في أن يكونوا منتجين، ولذلك يصبح المجتمع المدني معينا فكريا ومؤسساتيا لخلق حياة فاعلة تحفظ الحقوق لجميع الأطراف.