أمين ساعاتي

انتخبت الجمعية العمومية لجمعية الصحفيين السعوديين أخيرا مجلس إدارة جديدا برئاسة الزميل المخضرم خالد المالك، وأول قرار اتخذه مجلس الإدارة تشكيل لجنة لوضع ميثاق شرف للصحافيين السعوديين.

والواقع إن وضع ميثاق شرف للإعلام السعودي قصة لها تاريخ طويل.

وأذكر أنه حينما عين الفريق علي الشاعر وزيرا للإعلام عام 1983 اهتم كثيرا بوضع ميثاق شرف إعلامي، وكان يكثر في حواراته عن عزم وزارته على وضع ميثاق شرف إعلامي للإعلام السعودي.

وحينما عقد مؤتمر وزراء الإعلام في الدول الإسلامية في جدة تصدر جدول الأعمال وضع ميثاق شرف إعلامي للإعلام الإسلامي.

وفعلا تم وضع الميثاق وتم إقراره من قبل وزراء الإعلام في الدول الإسلامية، وكان ميثاق الشرف الإسلامي يتضمن أهم المبادئ التي ينادي بها الدين الإسلامي الأقوم.

وأحسب أنه من السهل وضع ميثاق شرف للإعلام الإسلامي، لأن إسلامنا الحنيف كله مبادئ سامية ومثل عليا، ولذلك فإن ميثاق الشرف الإسلامي كان يطالب بالتزام الإعلاميين بمبادئ الحق والعدل والشفافية والنزاهة والبعد عن سفاسف الأشياء وإثارة الفتن والضغائن بين المجتمعات الإسلامية، وشكل الميثاق هيئة عليا من بعض وزراء الإعلام في الدول الإسلامية تقوم بمتابعة تطبيق الميثاق.

ويجب أن نعترف بأن مواثيق الشرف الإعلامي دائما عرضة للاختلاف في التفسير، فالمفسرون يختلفون فيما يدخل في الميثاق أو ما يخرج عن الميثاق، بل إن بعض كبار الإعلاميين يعتبرون ميثاق الشرف الإعلامي سيفا مسلطا ضد حرية الكلمة والتعبير وضد حرية الرأي.

ولذلك فإن كثيرا من الإعلاميين الكبار يعتبرون مواثيق الشرف في مجال الإعلام مجرد قيود على حرية الرأي والتعبير.

ولكن يجب أن نعرف جميعا بأن إنشاء مؤسسة إعلامية لإصدار الصحف أو للإرسال الإذاعي والتلفازي يمثل -في الحقيقة- عقدا معنويا وأدبيا، بين المؤسسة وبين المتلقي سواء كان قارئا أو مستمعا أو مشاهدا، بمعنى أن صدور المطبوعة الصحافية أو المحطة الإذاعية أو التلفازية، يعد توقيعا للعقد بين صاحب الرسالة والمتلقين، فعلى المؤسسة الإعلامية أن تراعي شروط العقد العامة عند الإصدار أو الإرسال، وهي -على سبيل المثال وليس الحصر- أن تكون المادة الإعلامية (محل العقد) مشروعة، وغير مخالفة للنظام العام والآداب، وأن تكون خالية من عيوب الإرادة، مثل الإكراه أو الغش أو الكذب أو التدليس.

ولكن يجب أن نلاحظ أن العلاقة بين الإعلامي والمتلقي، ليست عقدا أدبيا أو تجاريا فقط، بل هي حوار، له آدابه، حوار شريف مهذب، حوار يتمسك بالأسس الأخلاقية والمبادئ الإنسانية. وشتان ما بين حوار يرتكز على السباب والتجريح، وبين حوار يرتكز على الاحترام المتبادل، في الرأي والفكر والمعتقد، مهما تباينت الآراء أو اختلفت الأفكار.

بمعنى أن رسالة المؤسسة الإعلامية، في صرحنا الإعلامي، رسالة أخلاقية، إنسانية، تعليمية، علمية، ندعو من خلالها إلى حفظ النفس والعرض، والمال والعقل، ونهتم بتحقيق رفاهية الإنسان، وندافع عن حقوقه، ونزوده بالمعرفة، وننقل إليه الخبرات، ليكون لبنة قوية على طريق بناء مجتمع مسلم ومنتج ونقي.

وفضيلة المعرفة من أهم المخرجات الجادة التي تقدمها الوسيلة الإعلامية إلى المتلقي، والمعرفة مسؤولية كلمة ومسؤولية رأي ومشهد، وهدفها بناء العقل الإنساني من أجل مزيد من الفعالية في بناء المجتمع.

إن من أهم وظائف الوسيلة الإعلامية نشر المعلومات بين كل شرائح المجتمع وتحريم حجبها، وإذا كانت العدالة الاجتماعية مطلوبة لمجتمعاتنا الإسلامية، فإن العدالة في توزيع المعلومات والمعرفة داخل مجتمعاتنا من أهم أدوات تحقيق مجتمع المعرفة، ونؤكد أن نشر المعلومات بين المتعلمين الصادقين يؤدي بالضرورة إلى توهج الابتكار والإبداع لديهم، العلماء الذين وقعت في أيديهم المعلومات استطاعوا أن يتوصلوا إلى أهم النظريات في تاريخ البشرية، بمعنى أن كل الابتكارات في تاريخ البشرية (من الإبرة حتى الآيفون) ظهرت بعد أن توافرت المعلومات عند المتعلمين والمبدعين، ويجب أن نسلم بأن كل إنسان في الوجود لديه إمكانات الإبداع والابتكار، وكل إنسان يحتاج إلى قدر من المعلومات ليصبح مبدعا ومبتكرا. ويجب ألا يغرب عن بالنا أن قضية حرية الوصول إلى المعلومات على المستوى الدولي تحظى باهتمام بالغ حيث نص إعلان القمة العالمية لمجتمع المعلومات التي عقدت في جنيف عام 2003 في بنديها الأول والثاني على ما يلي: يرتكز مجتمع المعلومات على الناس، ويستطيع كل فرد فيه أن يصنع المعلومات والمعارف، ومجتمع المعلومات يقوم على المبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولا شك أن الإعلام يعتبر -في وقتنا الحاضر- من أهم مصادر بناء المعرفة عند الناس جميعا.

ونتمنى أن تنجح جمعية الصحفيين السعوديين هذه المرة في الخروج بميثاق يتفق عليه الجميع، وأحسب أن إصدار ميثاق للصحافيين سوف يكون سبيلا لوضع ميثاق للإعلاميين جميعا. ومع كل ذلك فإن المهم ليس إصدار الميثاق، بل هو تطبيق الميثاق، فالمواثيق صدرت في كثير من الدول، ولكن للأسف معظم المواثيق فشلت في تحقيق الهدف من إصدارها، لأن هناك فرقا بين النظرية والتطبيق، وبين ما هو كائن وما يجب أن يكون.