محمد آل الشيخ

 انطفاء ظاهرة (الصحوة المتأسلمة)، وتراجع تبني العرب والمسلمين لها، كان أمراً متوقعاً، منذ أن ظهرت على السطح في بدايات الثمانينيات من القرن الماضي؛ ليس في المملكة فحسب، وإنما في أرجاء العالم الإسلامي كله.

ثلاثة أسباب محورية في رأيي بعثت هذه الظاهرة إلى الوجود، وأطلقتها من عقالها؛ أولها: نجاح الثورة الخمينية في إيران، ومحاولة ثوار العرب الاقتداء بها، لتثوير مفاهيم الإسلام السني على غرار الإسلام الشيعي، ومواكبة تلك الثورة التي كانت حينها لامعة وجذابة للجماهير العربية على اعتبار أنها منطلقة من التراث، وليست غريبة عليه. السبب الثاني: غزو أفغانستان من قِبل الاتحاد السوفييتي، واعتباره الإسلام عدواً يجب أن يسحق وينحّى عن السيطرة على أفغانستان. السبب الثالث: حركة جهيمان، واحتلال الحرم المكي، انطلاقاً من قناعته هو ومناصري حركته، أن معهم (المهدي)، الذي جاءت بعض الآثار الموروثة تُبشر بظهوره في آخر الزمان، ليملأ الأرض عدلاً، كما هي فكرة (المخلص) التي جاءت بها أغلب الأديان، وليس الإسلام فحسب.

هذه العوامل أو الأسباب الثلاثة كانت لدى كثير من الراصدين والمحللين وأنا واحد منهم، هي الدوافع (الأهم)، وليست بالطبع الحصرية، التي جعلت (التأسلم السياسي)، أو كما يسميها مناصروها، (الصحوة الإسلامية)، تطفو على السطح، وتستمر لمدة ثلاثة عقود من الزمن قبل أن يخبو وهجها وتألقها.

وهناك في المقابل أسباب كثيرة، جعلت نظريات التأسلم السياسي، تفشل، وتبدأ في الاضمحلال والعزوف الجماهيري، حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم؛ خاصة بين صغار السن، وتحديداً من هم أقل من سن الثلاثين. أهم هذه الأسباب أن هذه الظاهرة كانت تقدم نفسها ظاهرة (خلاصية)، لكنها فشلت فشلاً ذريعاً في تقديم حل حضاري حقيقي يُكرِّسها كمنقذ من حالة التخلف الذي يعيشه أغلب شعوب المسلمين، وبخاصة العرب. وليس لدي أدنى شك أن حركة (داعش) التي هي شكل من أشكال التأسلم السياسي، أجهزت عليها، وأثبتت فشل بل وخطورة، ما يُسمى (الربيع العربي)، الذي لعب فيه المتأسلمون ونظرياتهم الدور الرئيس والريادي، وقد كان لحركة (داعش) القدح المعلى لإثبات أن (التأسلم السياسي) لا يمكن أن يقدم حلاً حضارياً، بقدر ما يقدم شلالات دماء وفتن وقلاقل ومحن وخراب؛ كما كان لفشل جماعة الإخوان المسلمين، عندما تسلمت الحكم في مصر وأخفقت، أثر تكريسي إضافي.

ولا أعتقد أن راصداً موضوعياً ستخفي عليه اليوم انحسار وتراجع صوت (التأسلم السياسي)، وابتداء نجمه بالأفول؛ غير أن السؤال الذي يُقلق كثيراً من المثقفين والمفكرين العرب هو (ماذا بعد؟)، فهل هزيمة وتضاؤل التأسلم السياسي، سيؤدي إلى ولادة (حل حضاري) جديد، قادر على إقالة العرب والمسلمين من عثرتهم الحضارية؟.. لا أعتقد أن ثمة محللاً متابعاً وموضوعياً يستطيع الجزم بذلك أو نفيه، فالمسارات التاريخية للأمم معرضة لكثير من العوامل المفاجئة التي لم تكن في الحسبان، وتصرفها في النتيجة عن الوصول إلى شاطئ النجاة، حتى ولو بدا هذا الشاطئ قاب قوسين أو أدنى للوصول إليه.

إلى اللقاء.