سطام المقرن 

رغم أهمية اليوم العالمي لحقوق الإنسان، إلا أنه تم استقبال هذا اليوم في العالم العربي والإسلامي بالتهكم واليأس بسبب انتشار الحروب والقتل في بعض البلدان العربية

احتفل المجتمع الدولي في الأيام القليلة الماضية بيوم حقوق الإنسان، وهذا اليوم هو احتفال بذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948، حيث صاغ وثيقة الإعلان ممثلون ذوو خلفيات قانونية وثقافية مختلفة من جميع أنحاء العالم، وهي تحدد حقوق الإنسان الأساسية التي يتعين حمايتها عالميا، والتي تتمثل في مبدأ أساسي هو "يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلا وضميرا، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الإخاء، ولكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه..".
وكان شعار يوم حقوق الإنسان في هذا العام 2016، دعوة الجميع إلى "الدفاع عن حقوق إنسان ما!"، إذ إن مسؤولية احترام حقوق الإنسان تقع على عاتق جميع الناس. والدفاع "عن حقوق أحد اللاجئين أو المهاجرين، أو أحد الأشخاص ذوي الإعاقة، أو امرأة، أو أحد الأشخاص من السكان الأصليين، أو أحد الأطفال، أو أحد الأشخاص من أصل إفريقي، أو أي شخص آخر يعاني من خطر التمييز أو العنف".
ورغم أهمية اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك الوثيقة الدولية التي كانت نتيجة لفظائع حربين عالميتين متتاليتين أخذتا في طريقهما ملايين الأبرياء، إلا أنه تم استقبال هذا اليوم في العالم العربي والإسلامي بالتهكم واليأس والتشاؤم بسبب انتشار الحروب والقتل في بعض البلدان العربية، واستغاثة مئات الآلاف من المهجرين والمهاجرين والنازحين الذين تحدوا الموت في المحيطات جراء موجات النزوح والقتل بنهج عنصري وطائفي وتسلطي في بعض الدول، كل ذلك أمام مرأى ومسمع المجتمع الدولي!
وليس هذا وحسب، بل وصل الأمر من شدة اليأس إلى إعادة النظر في حق الإنسان في الحياة من الأساس، بغض النظر عن الكرامة والمساواة والعدالة وحق التعليم والعلاج والسكن... إلخ، فقد أصبح الإنسان يذبح مثل بهيمة الأنعام، ويعذب ويحرق ويجلد وكأنه جماد بلا روح، حتى أصبحت حياة الحيوانات في الغابة أكثر عدلا من حياة الإنسان نفسه! والسؤال المطروح هنا: لماذا تكون حياة الإنسان رخيصة إلى هذا الحد وبلا حقوق في بعض المجتمعات العربية والإسلامية؟
ربما لا تقع اللائمة على المجتمع الدولي وحده بقدر ما تقع المسؤولية أكثر على المجتمعات العربية والإسلامية نفسها، فالفرد المسلم يقرأ في القرآن الكريم قول الله عزّ وجل: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)، وقوله تعالى (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)، فرغم أن هذه التعبيرات القرآنية موجهة إلى الإنسان بما هو إنسان، ولا تتحدث عنه بقيد الدين أو المذهب والطائفة والانتماء، فتكريم الإنسان بوصفه إنسانا يرتبط بالكرامة والحرمة الناشئة من كون الإنسان شخصا، فيشترك في هذه الصفة الإنسان المؤمن وغير المؤمن على حد سواء، إلا أن هذه النصوص الدينية نفسها توجد لها تفاسير أخرى لا تنسجم مع القول بالكرامة والحرمة الذاتية لجميع أفراد البشر على السواء.
وعلى هذا الأساس، نجد أن أكثر الحروب والقتل في بعض البلدان العربية والإسلامية تقوم على فرضية (المؤمن والكافر)، أي أن قيمة الإنسان المؤمن أهم من قيمة الإنسان غير المؤمن، وبالتالي ليس له حقوق، ولهذا تقوم المنظمات الإرهابية بتقسيم المجتمعات إلى مؤمنة وكافرة، فلا حرمة أو كرامة لغير المؤمنين، وكذلك بالنسبة للمذهب أو الطائفة، حتى وإن لم يكفروا بعضهم بعضا يظل الآخر من الفئة الباغية التي يجب قتالها، ناهيك عن الانتحار والموت في سبيل الله، ولهذه الأسباب كانت حياة الإنسان رخيصة وبلا حرمة أو كرامة.
بالإضافة إلى ما سبق، هناك إشكالية أخرى لا تقل خطورة عن ثنائية "المؤمن والكافر" وهي مسألة "الحاكمية لله تعالى"، فحقوق الإنسان مبنية على أساس أن الإنسان شخص حر ومسؤول في مقابل حقوق الآخرين، وبالتالي يكون للإنسان حق في تقرير مصيره وتدبير أموره في واقع الحياة، وهذا يتنافى ويتعارض مع المسألة المذكورة أعلاه.
هناك نظرية سائدة لدى بعض المجتمعات العربية والإسلامية، تقرر أن المعاني والمفاهيم الواردة في لائحة حقوق الإنسان التي تم الإعلان عنها في منظمة الأمم المتحدة هي حصيلة "الثقافة العلمانية" في الغرب، وأن قبولها من قبل المسلمين يؤدي إلى طمس ومسخ الثقافة الإسلامية، ومن هذا المنطلق تهافت بعض رجال الدين على نقد هذه اللائحة وإبراز نقاط ضعفها، بحجة أنها صادرة بوحي من الأهواء والشهوات، وأن الفكر البشري عاجز أمام الشريعة الإسلامية التي تكفلت بكامل حقوق الإنسان على جميع المستويات والصعد.
ولهذا لا يتم التعامل مع اللائحة الدولية لحقوق الإنسان بشيء من الجدية والمسؤولية، وإنما بعدم القبول والسخرية منها، خاصة أن البعض حاول تشويه هذه اللائحة بتسليط الضوء على البنود التي تتنافى مع عادات وتقاليد الشعوب العربية والإسلامية حتى لا يتم الالتفات إلى الحقوق الأساسية للإنسان، فما زالت بعض المجتمعات لا تستسيغ حرية الاعتقاد والفكر أو حتى المساواة بين البشرية جمعاء، لذا نجد أن البعض لا يتصور أن يكون لشخص الإنسان حق النقد والتفكر أو استقلال شخصيته وتقرير مصيره وحرية التصرف في شؤونه، لذلك تظل لائحة حقوق الإنسان العالمية مجرّد شعارات أو مخطط تغريبي لنشر الرذيلة والتفسخ الأخلاقي في المجتمع، أو أداة سياسية للغرب للسيطرة على العالم العربي والإسلامي، فمفهوم الإنسانية ما زال مفهوما غامضا لا مكان له في ساحات الحروب والقتال.. فكيف نقنع تلك المجتمعات بذلك المفهوم ومن ثم القبول باللائحة العالمية لحقوق الإنسان؟