محمد المسعودي

في ظل الأوضاع المريبة والخطر الذي يحيط بدول الخليج تنبهت السعودية إلى الأخطار المحدقة، فسعت بقوة إلى توحيد الصف وإنشاء التحالفات التي من شأنها أن تقمع الإرهاب وتدفن الفتنة، فتكاتفت في الحقيقة الجهود السياسية والعسكرية في توحيد الصف الخليجي وبدت الحاجة إلى مواجهة السياسات العدائية إلى مؤسسات ثقافية وفكرية متميزة في الشكل والمضمون تجمع الكلمة على مائدة الوعي.

وفي نفس المنعطف، بدأ رئيس مؤسسة الفكر العربي الأمير خالد الفيصل بإطلاق مبادرته "التكامل العربي" تماهياً مع الخطر الدائر نحو الدول العربية، فانطلقت المؤسسة بسيل من المبادرات، والمشروعات الثقافية لترسم ملامح المستقبل العربي في مواجهة التحديات، وطمس الوجه المشوه للتفرق والنزاع ومجابهة التطرف والإرهاب وردم فجوة الخلافات.. فكان فكر 13 "التكامل العربيّ.. حلم الوحدة وواقع التقسيم"، وتلاه مؤتمر"فكر 14" بعنوان "التكامل العربيّ.. التحدّيات والآفاق" إنعاشاً للوحدة العربية، بمعالجة مهنيّة وعاليّة للجروح العميقة التي تهدد هويتها، والمتابع للمبادرات التي تتبناها هذه المؤسسة ومؤتمراتها حتى إصداراتها يجد أنها تعمل ومنذ فترة إلى إعادة الثقافة إلى مسارها الصحيح وتفعيل دورها وتنمية المسؤولية لدى أرباب الثقافة والفكر تجاه مجتمعاتهم، فجاء المؤتمران في وقت حرج، وجسد الأمة مثقل بالجراح وينزف دما ليكونا أشبه بمشرط بيد جراح ماهر.

وللأمانة ورغم تشكيك الكثير، استطاعت مؤسسة الفكر العربي بأهدافها النبيلة في رفع لياقة الفكر والمفكرين وهي تدق ناقوس الخطر وتعلن أن الثقافة على أعتاب مرحلة جديدة مختلفة تطلب من المتعافين ممارسة دورهم الطبيعي في بناء حصن الوعي وإعادة تشكيله وترميمه وتكوين قلاع فكرية جديدة بما يتوافق مع المرحلة القادمة التي شارفت عليها ونقطة انطلاق قوية بقوة القرار وطموح الشعوب.

لم تكتفِ هذه المؤسسة التي اتخذت على نفسها عهدا بالاعتزاز بثوابت الأمة وقيمها وهويتها من خلال البرامج الثقافية الملائمة أن تستكمل طريق المعالجة هذه العام في مؤتمر (فكر 15) من خلال هدفها باستحداث التكامل الاقتصادي والتنموي والأمني والثقافي ومؤسساتها الثقافية بصيغتين تكامليتين متميزتين تستحق التوقف عندها، الأولى دول مجلس التعاون الخليجي تزامناً مع الذكرى الخامسة والثلاثين لإنشائه، ودولة الإمارات العربية المتحدة في الذكرى الخامسة والأربعين لاتحادها؛ كتجربتين يستحق استعراضهما في الأحداث الراهنة، ودليل على تمكن القائمين على مؤسسة الفكر العربي في احترافية اختيار الموضوع والتوقيت معا، ولاسيما أن العنوان بحد ذاته يعكس مدى قدرة المؤسسة على بناء جسور متينة بصيغ إبداعية باستعراض تجربة "تكامليّة" ناجحة في إقليم "الخليج العربي" وتلاحمه ووحدته الصافية النقية الخالية من الشوائب، لهو جدير في أن يسهم ويظهر في نشر الثقافة الخليجية كذلك، وتجربة الشقيقة "الإمارات" التنموية بل الاستثنائية كأنموذج تجاوز المحلية والإقليمية إلى العالمية في شتى الاتجاهات.

وكمحصلة بدهية، تبقى لنا كمطلب جاد نحو جهود المؤسسة والقائمين عليها وأهدافها النبيلة نحو مستقبل عربي تكامليّ كريم؛ حتى تقوم برسالتها وبشكل واضح وبصلاحية أشمل تستحقها، أن نناشد الحكومات العربية بالاهتمام تطبيقاً وعنايةً بمخرجات مؤسسة الفكر العربي وتقاريرها - الرصينة من العيار الثقيل بحثاً ودراسة وخارطة طريق "تأريخية" - وتوصيات مؤتمراتها وحضور مفكريها؛ حينها سنرى "تكاملية" مؤسسة الفكر شاهدة حاضرة، وحينها سنجزم كذلك أن جسد الأمة العربية سيكون بخير!