ميشيل تويني

منذ انتخاب الرئيس العماد ميشال عون، تجري محاولات تأليف الحكومة على وقع متعثر... كنّا نعتبر ان الجو الوفاقي الذي سمح بانتخاب الرئيس عون سيسمح أيضاً بتأليف حكومة سريعاً، خصوصاً ان هذه الحكومة سيكون عمرها قصيراً.

وعدوا اللبنانيين أولاً بتأليف الحكومة قبل عيد الاستقلال، واليوم يعدون بتأليفها قبل عيد الميلاد، لكن بغض النظر عن يوم ولادتها، فإن العامل اللافت هو الطريقة الوقحة في التعامل مع التأليف ومع الوزارات وتوزيع الحقائب:
أولاً، يحكى عن وزارات خدماتية وأخرى غير خدماتية. فما هو المعيار للتصنيف؟ كل الوزارات هي لخدمة الشعب، ولكن يبدو واضحاً ان الكثير منها يستعمل سلعة للانتخابات. والمضحك انهم لا يوزّرون النواب في بعض الحالات، لكن الوزراء والنواب يكونون من الجهة نفسها ويعيّنهم الزعيم نفسه، وبذلك تصبح الحكومة مجلس نواب مصغراً. فكيف لمجلس أن يحاكم من عينه زعيم حزبه؟
ثانياً، يتحدثون عن وزارات دسمة، وغيرها أقل دسامة، وهذا مرفوض ومخجل.


ثالثاً، المضحك أنهم يتعاملون مع الوزارات كأنها ملكهم، فهذا الفريق يتنازل بشهامة لفريق آخر عن حقيبة معينة وكأنها باسمه أو ملكه، والعكس. ويتحدثون عن ذلك من دون خجل، كأنه من الطبيعي أن يتبادلوا بعض الوزارات والمناصب. وقد يكون مخيفاً أنه في هذا الجو "الوفاقي"، وفيما الجميع متحالفون، يتصرفون بهذه الطريقة. فماذا سيفعلون في المستقبل؟ لذلك نكرر أن التغيير والتنويع وإعطاء فرصة لمرشحين في الانتخابات النيابية غير راضخين للعبة والتركيبة هو أمر ضروري للتغيير، وإلا "فالعوض بسلامتنا".


ولا نريد أن نستوعب ان ما نأخذه ليس أكثر من جرعات من التفاؤل الخادع، لأن المشكلة تكمن في تركيبة غير صالحة من أساسها. والحل الوحيد للتطوير هو رؤية مختلفة ونهج مختلف ومنطق جديد. فمهما قالوا أو فعلوا، يكفي ان ننظر اليهم يعرقلون ويتشاجرون ويساومون ويهددون بعضهم بعضاً حول مناصب وزارية على حساب الشعب وعلى مصالحنا من دون خجل، وعلناً. وعندما ستتألف الحكومة لا تنسَ، مرة أخرى، يا شعب لبنان، كيف تم تأليفها وكيف يتعاملون مع السلطة والحكم. وقد يصحّ كل شيء في وصف هذه المسرحية المخجلة إلا عملية تشكيل حكومة تفتح باب التغيير الذي ينتظره اللبنانيون بفارغ الصبر وبآمال متجددة. ولم يكن الشهر ونصف الشهر من عمر هذه العملية إلا الدليل القاطع على ان التركيبة السياسية القائمة لا تتعامل مع آمال الناس في التغيير إلا من باب الخداع الكلامي والإعلامي.


ولم يكن هذا التسابق على الوزارات وتصنيفها إلا الجريمة الأولى المعاكسة لمن ظن ان عهداً جديداً "سيفرض" بداية مختلفة طالما انتظرها الناس.