سمير عطا الله

من دون أن ندري، ومن دون أي إعلان، أو إشعار بواسطة البريد الخاص، فقد أصبح العالم آسيوًيا. إلى سنوات قليلة، كانت العولمة تعني فوًرا الأمركة. ليس فقط في الاقتصاد الثقيل والصناعات الكبرى، وإنما أيًضا في القوى الناعمة كالفنون، والآداب، ومناهج الحياة اليومية. لكن حاول أن تفّكر للحظة الآن في الأسماء التالية: الصين، اليابان، الهند، كوريا الجنوبية، سنغافورة، وتايوان.

رغم عشرات الملايين من الفقراء في هذه الدول، فإنها أصبحت كمجموعة، تتقدم العلم الصناعي في مقاييس كثيرة. ويبدو كأنها جميًعا تتحرك بحيوية طويلة المدى، فيما تكثر معالم الشيخوخة في أميركا وأوروبا. وفي المقابل، فإن أميركا اللاتينية شديدة البطء بالمقارنة مع الآسيويين. أما أفريقيا كثيرة الثروات، عليلة الأحكام، فإنها لم تدخل سباق المقارنة حتى الآن.

قبل فترة احتفلت القاهرة بزيارة الرئيس السنغافوري. وقد حّرك ذلك في عقولنا الباطنية تساؤلاً قديًما: لماذا هم، وليس نحن؟ لماذا لم تتوقف سنغافورة عن التطور والتقدم منذ خمسين عاًما، ولم نتوقف نحن عن التقهقر طوال الفترة نفسها؟ وفي الماضي، كانت حكايات الهندي الساذج جزًءا منَفهارس النكات المصرية. فهل من نكات عن الهنود اليوم؟ ليس هناك جواب واحد بالتأكيد. وقد جرت محاولات علمية وجدّية كثيرة للإجابة عن هذه المحنة، ولكن من دون الوصول إلى أي نتيجة.

هل هي مسألة حضارية؟ هل هي قضية عرقية؟ هل هو المناخ الطبيعي وقسوته؟ إن التشابه بيننا وبين سائر الآسيويين يكاد يكونُعضوًيا في كل شيء. ولست أدري ما سبب الفارق الرهيب في الإنتاج، ولماذا ينتظم الصيني أو الإندونيسي في مجموعة ناجحة من المنتجين، بينما يظل العامل، أو الموظف العربي، في الدول الغنية أو الفقيرة، عدًوا للإنتاج وعدًوا لنفسه وعائلته ومستقبله؟

لا يكفي القول إنناَتَفردّيون، أو مزاجّيون، أو اتكالّيون أو كسالى. فقد كان الصيني رمز الخمولَوَخدر الأفيون. وكان السنغافوري يعيش في المستنقعات. وكان الهندي يولد ويعيش ويموت في عراٍء واحد. لكن ذلك تغير

الآن ولا يزال يتغّير، ناقلاً آسيا من رمز التخلف إلى نموذج للنهوض، ولأسباب لا نعرفها، رأينا «الرجل الأصفر» ينافس الرجل الأبيضفي كل الحقول. ويتفوق الطلاب الصينيون على جميع من عداهم في كبرى الجامعات الأميركية العلمية. وأيًضا أنا لا أعرف لماذا، ولا كثيرون من غيري يعرفون، فالأهم فيما نعرف جميًعا هو أن هذا العالم قد انقلب من جنب إلى جنب. ولن يبقى عالًما تسوده حركة الغرب وتتحكم في مقاييسه. فالآسيويون على الطريق من أول اليابان إلى آخر ولاية غوجارات في الهند. وربما آن الأوان لأن ننضم إلى قافلة المنتجين.