سالم حميد

يؤكد الحادث الإرهابي المؤسف الذي طال كنيسة الأقباط في القاهرة أهمية التركيز مجدداً على وقاية الشباب من الالتحاق بعصابات الإرهاب الإجرامية، الهادفة إلى زعزعة أمن المجتمعات وتخريب قواعد السلم الأهلي. وكما في أغلب الحوادث الإرهابية، اتضح أن المتهم بتنفيذ هجوم الكنيسة شاب لم يتجاوز الـ22 من عمره. ومن الواضح أن السلاح الأول لتلك الجماعات المارقة هم الشباب التائهون، الذين يجدون أنفسهم عرضة للتلقين والتلقي المباشر لتفسيرات المتطرفين للنصوص الدينية، بما فيها محاولات إغواء الشباب وإيهامهم بأنهم على موعد مع إشباع غرائزهم الجنسية فور انتحارهم!

لقد شغلت ظاهرة الإرهاب حكومات ومجتمعات العالم خلال العقود الثلاثة الماضية، وظلت الحوادث الإرهابية الإجرامية ولا تزال تصدِّع الرؤوس وتسبب القلق على جميع المستويات، ولم يفرق الإرهاب بين البلدان والشعوب، بعد أن اتجهت الجماعات المتطرفة إلى التركيز على تجنيد الشباب من كل الجنسيات، واستغلال الاحتياجات النفسية لصغار السن لزرع الأوهام في عقولهم، ومن ثم توجيههم للقيام بعمليات انتحارية عدمية، يفقدون خلالها حياتهم، ويتسببون في ترويع الآمنين.

ولعل من أبرز صور الاستغلال البشع التي اعتمدتها جماعات التطرف منهجاً لاستقطاب الشباب، قيامها بتوظيف الجنس في خدمة الإرهاب، عبر إيهام منفذي العمليات الإرهابية بأنهم سوف يحظون بالحور العين. ومما يعين دعاة الإرهاب والتطرف على استغلال هذه الجزئية أنهم يتوجهون بها إلى فئة الشباب المحبطين الذين يتعطشون لتلبية غرائزهم، ويجدون في ذلك الوهم الموعود ما يرضي رغباتهم.

كما يستغل المتطرفون منهج التلقين والتفسير السطحي للنصوص الدينية للتأثير على أتباعهم وتخديرهم بمقولات يكررونها على مسامعهم. لذلك تنبه العديد من الباحثين إلى خطورة التلقين المتبع في نظام التعليم، ومدى تأثيره في صياغة عقول الشباب، وبخاصة أن المناهج التعليمية في أغلب البلدان تعاني من الحشو والإسقاطات المباشرة، وبالتحديد في مواد الثقافة الدينية، التي يتم اعتمادها وتناقلها دون تمحيص أو مراجعة.

وبعد أن تراكمت حوادث الإرهاب وثبت قيام المتطرفين بالتضحية بصغار السن بعد تلقينهم وتشجيعهم على تنفيذ جرائم الإرهاب، تزداد الحاجة إلى مراجعة المناهج التعليمية وطرق التدريس وترشيد الخطاب الديني، وإيقاف الأسلوب العشوائي في الوعظ والإفتاء، وضرورة حصر الإرشاد الديني على العلماء المستنيرين الذين يحرصون على منح الشباب جرعات الأمل والثقة بالذات، بدلاً من دفعهم إلى تفخيخ أجسادهم.

إن التساؤلات المتعلقة بدوافع ارتكاب العمليات الإرهابية لم تعد عالقة من دون إجابات، فقد تجاوزت المجتمعات صدمة الذهول، وبدأت خيوط الإرهاب تنكشف، وأصبحت منابعه وروافده معلومة، ابتداءً من أسلوب التلقين الأعمى للمناهج الدراسية الكلاسيكية، مروراً بعشوائية الخطاب الديني الذي لم يشهد منذ قرون أي إصلاح قائم على الاجتهاد لتنقية الموروث من التفسيرات الخاطئة والارتجالية للنصوص، وانتهاءً بإشكاليات شريحة الشباب التي يستغلها الإرهابيون لتحويل صغار السن إلى قنابل موقوتة في حالة استعداد للتفخيخ والقتل المجاني.

وبالتأمل في الحوادث الإرهابية، نلاحظ أن الجماعات المتطرفة تعتمد دائماً على هذه الشريحة لتنفيذ أعمالها الشنيعة عبر شاب محبط زرعَ دعاةُ التطرف في رأسه أنه سيلتقي بعد مصرعه بالحور العين، مكافأةً على جريمته التي يتم تصويرها له باعتبارها ضمن أعمال الجهاد.

لقد استطاعت دولة الإمارات حماية شبابها من الوقوع في فخ التطرف عبر سلسلة خطوات استباقية من أبرزها مراجعة مناهج التعليم وتحديثها وتنقيتها من صيغ وأساليب التلقين السطحي للمفاهيم الدينية، لأن التلقين المباشر لمواد الثقافة الإسلامية من دون فهم لمقاصدها لا يزال يلعب في الكثير من الدول دوراً في تفشي فكر التطرف وزراعته في عقول الصغار. كما عملت الإمارات على احتضان ورعاية مجلس حكماء المسلمين في إطار جهود الدولة لترسيخ التسامح والتعايش وتعزيز قيم الحوار والمنهج الوسطي والسلم المجتمعي في العالم الإسلامي.