عزة السبيعي

هل يستطيع العالم أن ينسى صور أطفال سورية وهم يودعون حلب وينضمون إلى آلاف اللاجئين السوريين المتوقع موتهم غرقاً في سفن الهجرة أو الاختطاف من العصابات الإجرامية.
على كل حال لو قرأت تاريخ سورية مع الغزاة ستوقن أنه كان دائماً صعباً أن تكون طفلاً سورياً تماما مثل الطفل ذي الستة أعوام الذي هرب به والداه ذات مساء من حوران، وقضى كل حياته يدافع عن قضية وحدة الأمة وتوحيدها. الرجل الذي كان يتحدث ثلاث لغات، ويحفظ القرآن، ويدخل على الحكام يخبرهم بحق نصرة الأمة عليهم، ويكره الخونة جداً، أعني شيخ الإسلام ابن تيمية.
لقد اعتاد الناس الكذب على ابن تيمية حتى ابن بطوطة الذي كتب أنه سمع ابن تيمية في يوم كذا وسنة كذا يقول إن الله ينزل من السماء، وقام بالنزول خطوتين من منبره، وقال مثل نزولي هذا ليجد المحققون أن ابن تيمية وقتها كان سجيناً، لأنه قال لا تشد الرحال إلى القبور حتى لو كان قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
في الحقيقة أن الرجل الذي أحب الشام كثيراً، وتنقل في كل مكان حاملاً حقيبته على ظهره يناشد الأمة إنقاذ الشام مذكراً إياها بأحاديث امتدحت أهله وثباتهم على دين الله كان يعرف أن التوحيد هو الذي يصنع الفرق، فالرجل الذي لا يسأل إلا الله، ولا يخشى إلا الله، ومن لا يخشى إلا الله لا يهزمه شيء حتى لو كانت جيوش التتار أو طائرات الروس.
لهذا فقط حورب الرجل من كل مكان، وراقبه أعداء الإسلام وعلى شفاههم ابتسامات صفراء، جهزت له دائما المكائد حتى من أقرب الناس إليه.
عندما بدأت أولى محاولاتهم في صنع حلمهم الخبيث وتهجير السنة من الهلال الخصيب كان ابن تيمية الهدف الأول، فلا بد أن يكرهه الناس مرة أخرى، ويسجنوا كتبه اليوم كما سجن سابقاً بإخراج جمله عن سياقها وأخذ حديثه في غير زمانه.
لم يكن ابن تيمية رسولا، ولم يدّع أن كل ما يقوله صواب، وكان ابن عصره الذي خططت ملل تنتمي إلى الإسلام لإهلاك الأمة عبر التعاون مع أعدائها، لكن لم يكن جديراً بنا تجاهل حكمته الوحيدة التي عرفها ذلك الزمان الذي يشبه زماننا من تعدّي الفرنجة والتتار على أرض الشام، وقتل الناس في الطرقات وفي بيوتهم ومحلاتهم واغتصاب الحرائر أمام مرأى عالم صامت، يظهر الشرفاء فيه الحزن، ويكيد الخبثاء المؤامرات.
في صباح سقوط حلب عرف الجميع لِمَ كان ابن تيمية غاضبا لأننا كلنا كنا غاضبين مثله حزينين مثله، لكن لم نعمل مثله.
إن السعي الدؤوب الذي واصله الرجل لتوحيد الناس جدير بأن يلهمنا ليس فقط السوريين، بل كل من ينتمي إلى الشرق الأوسط، ويرفض هذه الحروب والمعارك، وكل من يظن أننا ساحة غزو وتقسيم.
يجب أن نتخلى عن المجاملات كما تخلى عنها ابن تيمية، فمجاملة مجلس الأمن والفيتو الذي تستخدمه قوى ظالمة يجب أن يواجه بترك مقاعدنا فيه خالية على الأقل حتى تتغير آلياته، فالدول الإسلامية ليست من القلة والضعف لترضى ببطولة المضحوك عليها والمغلوبة على أمرها، والمنتهكة أراضيها.