«رؤية المملكة 2030» .. تؤسس لبناء مجتمع المعرفة

 أمين ساعاتي

من البرامج الأساسية في "رؤية المملكة 2030" تأسيس مجتمع معرفي يضطلع بالأدوار الرئيسة لبناء اقتصاد المعرفة. إن مجتمع المعرفة هو مجتمع الثورة الرقمية الذي تحتل فيه المعلومة والمعرفة مكانة متقدمة تقترن بمزيد من الفتوحات العلمية والإبداعية وتراكم المعرفة.

وإذا نظرنا إلى مجتمع المعرفة في الدول الناشئة نجد أن الثروة البشرية هي المحرك الأساس للثروة الطبيعية، ولذلك فإن أولى مهام الوصول إلى مجتمع المعرفة تطوير التعليم، وهي مطلب ملح على طريق تكوين مجتمع معرفي راسخ ومتين. بمعنى أن مجتمع المعرفة يعني باختصار وجود مستويات عليا من الموارد البشرية عالية التأهيل تتعامل وتتفاعل مع آخر ما وصلت إليه تكنولوجيا المعلومات، وتقوم الموارد البشرية بإنتاج وتوظيف المعرفة لتحقيق مزيد من تراكم الثروة.

ولعل أولى المهام التي يجب أن تقوم بها الدولة كي تنتقل من مجتمع اللامعرفة إلى مجتمع المعرفة، أن تبدأ بإصلاح حقيقي في التعليم أي أن أهم متطلبات اقتصاد المعرفة امتلاك نظام تعليمي عالي الكفاءة، ومخرجاته قادرة على بناء كنز من المعلومات، ويجب أن نعترف بأن المنظومة التعليمية في المملكة في أمس الحاجة إلى عمليات قيصرية وتغيير واسع النطاق.

وقلنا مرارا إن مجتمع المعرفة ليس المجتمع الصناعي التقليدي المعني بإنتاج السلع وتسويقها، وإنما هو المجتمع المنتج للمعرفة والساعي إلى توظيفها ونشرها وتوزيعها من أجل بناء ثروة بشرية مبدعة، والإبداع هو الركن الركين الذي يسعى إليه الإنسان.

أنت ماهر إداريا، تمارس مهارتك الإدارية النادرة الفريدة في إنتاج بطولات، هذه البطولات هي التي تزيد الإيرادات وتحقق تراكم الثروة.

والإنسان في مجتمع المعرفة يبدو فعالا نهما إلى التعليم والثقافة، ومؤسسات المجتمع تسهر على زيادة الإنتاج وتفعيل آليات التفكير والتجديد والابتكار.

وإذا استعرضنا المجتمع الدولي في الوقت الراهن نستطيع بكل بساطة أن نفرز - وفق هذا التعريف- كثيرا من المجتمعات التي بلغت فيها تقنية المعلومات شأواً كبيراً، فلا نستطيع - على سبيل المثال - أن ننكر أن كوريا الجنوبية تتمتع بمجتمع معرفي وضعها جنباً إلى جنب في سباق مع الدول العظمى، ولا نستطيع أن ننكر أن الصين وسنغافورة وماليزيا والهند والبرازيل بلغ عندها المجتمع المعرفي مستويات فتحت أمامها آفاق المستقبل العريض الذي يضعها في المقدمة مع الدول التي بلغت مستويات عالية من التقدم والنضج.

إن سر تفوق سنغافورة أنها بدأت وثبتها من تنمية الإنسان لكي يعمل ويبدع وينتج، وأقامت نظاماً تعليمياً من أقوى أنظمة التعليم في العالم، كما أن تطوير الإنسان وتدريبه وتنمية مهاراته وقدراته في سنغافورة عمليات لا تتوقف، وكانت سياسة الرئيس المعجزة "لي كوان يو" ترتكز على وجه الخصوص على الارتقاء بالقوى العاملة في مجال الخدمات، أي على قطاع التجارة والترانزيت والسياحة والصناعات التجميعية، فالاستثمار في اليد العاملة والارتقاء بها أساس نجاح وتفوق سنغافورة.

إعلان

De PostcodeKanjer valt!

De PostcodeKanjer van €49,9 Miljoen gaat vallen! Koop nu een lot

Read More

Promoted by Postcode Loterij

وفي المقابل الدول العربية مازالت تنهج على طريق بناء مجتمعاتها المعرفية لتضييق ما يسمى الفجوة الرقمية بينها وبين الدول التي وصل فيها مجتمع المعرفة إلى مستويات متقدمة جدا.

بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فإن الأمل كبير في أن برامج "رؤية المملكة 2030" سوف تحول المجتمع الاستهلاكي إلى مجتمع ابتكاري منتج، ويوم نغادر محطة المجتمع الاستهلاكي ونشتبك مع مجتمع المعرفة نكون قد وضعنا أقدامنا على أرض صلبة تأخذنا إلى عالم التقدم والنمو، إذ إن التعليم والبحث العلمي هما حجر الزاوية والأساس في بناء مجتمع المعرفة.

إن برامج بناء مجتمع المعرفة ليست جديدة علينا، لأننا بدأنا المشوار منذ خمس سنوات، وكان يحدونا الأمل أن بحلول عام 2022 فإن المملكة سوف تصل إلى تشكيل راسخ لمجتمع المعرفة الذي نتطلع إليه.

وكمواطن يتطلع بحماس إلى وصول المجتمع السعودي إلى المستويات الرفيعة لمجتمع المعرفة، فإنني أتمنى من كل السعوديين في شتى مواقعهم أن يكونوا فعالين في رحلة الوصول إلى موانئ مجتمع المعرفة، وأتمنى أن يكونوا قلباً وقالباً مع هذه الاستراتيجية التي سوف تحمي هذا الجيل من براثن التخلف، وتضع الأجيال القادمة على مرافئ التنمية المستدامة. إن القدرة على مواكبة العلوم والتقنيات الحديثة وتطويرها وتجديدها والإبداع فيها تعنى أننا مجتمع نجح في استيعاب العصر الذي نعيش فيه، أمّا إذا أخفق المجتمع في استيعاب أدوات العصر الذي يعيش فيه، فإن التخلف ينتظره بالمرصاد، ونحن حكومة وشعباً نكره التخلف والتقهقر، بل نحن أمة مسلمة مردت على صنع التقدم والتنوير طوال ما ينوف على الألف عام، ومن أجل ذلك يجب أن نغير منظومة التعليم ونجعله تعليماً يصنع ولا يمنع التقدم لخير الأمة والمجتمع.

دعونا نعد مرة أخرى إلى كوريا الجنوبية لأنها المثل الصارخ لمجتمع معرفي استطاع أن يقفز بكوريا من وحل الانكسار والتخلف ويأخذها إلى مراقي التطور والبناء، كوريا خرجت من الحرب الكونية الثانية وهي محطمة الأوصال ليس لديها ما يمكن أن يساعدها على العودة إلى سواء السبيل.

ولكن المجتمع الكوري أخذ يفيق من كبوته ويتدافع بكل إخلاص نحو المعرفة ويواجه التحديات من أجل أن يبني مجتمعاً معرفياً ينقذ كوريا من مرحلة الحرب المدمرة التي لم تبق ولم تذر، إلى مرحلة التنمية المستدامة.

وما تجدر الإشارة إليه أن كوريا الجنوبية فقيرة جداً في مواردها الطبيعية، ليس لديها بترول ولا فحم ولا ذهب ولا فضة ولا نحاس، ولكن لديها مجتمع معرفي، وموردها الوحيد هو هذا المجتمع المعرفي الذي نشر المعرفة ووظفها في ربوع المجتمع الكوري حتى استطاع أن يحول كوريا الجنوبية إلى دولة تقف جنباً إلى جنب مع كبريات الدول المتقدمة ذات المجتمعات المعرفية الزاخرة.

ومثل كوريا الجنوبية سنغافورة - كما ألمحنا - اتجهت بكل ثقلها نحو إعادة بناء منظومة التعليم وتأهيل الكوادر لبناء المجتمع وتنمية الإنسان.