عبدالله بن بخيت

تمت القسمة التي توقعتها.. أصبح الجزء الأساسي من سورية في قبضة الروس، والجزء المتبقي على وشك أن يصبح في قبضة الأميركان.. هذا يؤكد ما قلته سابقا أن أميركا لا تنظر إلى الصراع في سورية بمنظور استراتيجي، ليس لها من قضية في سورية سوى داعش والمنظمات الإرهابية الأخرى.. بيد أن أميركا كدولة عظمى لا يمكن أن تخرج من الصراع السوري دون أن تترك غراسها على الأرض تحوطا للمستقبل ورصيدا للمناورات السياسية والإعلامية والعسكرية التي قد تأتي الحاجة إليها.

ما جرى في حلب يتجه إلى ذلك، لو لم يقض الروس على المقاتلين في حلب لتحمل الأميركان والأوربيون هذا الواجب.. الأميركان والأوربيون متفقون تماما مع الروس في مسألة القضاء على المسلحين في حلب وفي سورية كلها بطبقاتهم كافة.. من حسن حظ الأميركان والأوربيين أن الروس أكثر حاجة وإلحاحا لزوال هذه التنظيمات وخصوصا ان عدد المقاتلين الإرهابيين القادمين من روسيا مقلق لروسيا أكبر من القلق الذي ينتاب الأوربيين من الإرهابيين القادمين من أوروبا.

ما نراه من حملة إعلامية إنسانية بكائية تشنها وسائل الإعلام والمسؤولين الأوربيين على المآسي في حلب هي حرب إعلامية على روسيا لا عونا للشعب السوري.. يتفقون معها في الهدف وعلى روسيا أن تتلوث وحدها لإنجازه.. تركوا روسيا تنتصر بثمن مالي وأخلاقي.. لا أحد يريد أن يقدم للروس صيدا سهلا.. نتذكر أن الأميركان رفضوا التعاون مع الروس في فرز المقاومة الشريفة المكونة من أبناء الشعب السوري عن التنظيمات الإرهابية ولم يقدموا أي حماية لها.. فرز المقاومة الشريفة (علاوة على ضعفها) عن الإرهابيين سيحرج الغرب، لم يعد الغرب يرجو أي مصلحة من أي مقاومة في سورية شريفة او غير شريفة فقرروا القضاء على الجميع على يد الروس. يطمئنهم على ذلك أن حليفهم الأكبر شكل التنظيم المسلح الذي سوف يواجهون به الروس على الأرض إذا لزم الأمر.

في ظني لن يبقى على أرض المعركة السورية سوى أطراف ثلاثة؛ الروس والأميركان والأتراك.. الروس والأتراك يتحركون بدوافع استراتيجية، أما الأميركان فيمكن القول إنهم يتحركون بدوافع انتهازية.

التنظيمات الكردية المسلحة تشكيل أميركي، إما أن تحلها، أو تبقيها، أو أن تساوم عليها.. لا أستطيع التنبؤ بموقف الروس من هذه المسألة فالقضية أكثرها قضية تركية أميركية. قريبا سيجد الأتراك أنفسهم في موقف صعب وخطير، المطلب التركي القادم والاستراتيجي هو القضاء على هذه التنظيمات المسلحة بأي ثمن الأمر الذي قد يفرض الاصطدام عسكريا مع أميركا وهذا امر مستحيل على القدرات التركية.

ستنتقل الحرب السورية إلى المرحة الثانية والأخيرة حسب وجهة نظري.. الأميركان يملكون التنظيمات الكردية والروس يملكون جيش الأسد والتنظيمات الشيعية المتحالفة معه.. في أي لحظة سيختفي الهدف الذي يجمع الطرفين العظيمين ويصرفهما عن المواجهة.. اختفاء داعش سيترك الروس والأميركان وجها لوجه.

أتوقع أن ينعم الشعب السوري في الأيام القادمة بهدوء غامض حيث ستنتقل المسألة السورية إلى فنادق جنيف.. سيضطر الروس إلى الدخول في مساومة على بشار مقابل التنظيمات الكردية.. ستعتمد سخونة المباحثات في جنيف على مدى حماس الروس على وحدة الأراضي السورية.

ترى أين سيقف الأتراك؟ لا أملك إلا أن أقول: كان الأمر في يدهم فأصبح أمرهم في يد الآخرين.