سعيد الحمد 

تبدو إدارة الصراع في عالم القرن الواحد والعشرين كارثية بكل المقاييس وفي شتى الجهات، بعد أن فقد «الكبار» بوصلة إدارة الصراع حتى على قاعدة مصالح بلدانهم.
فأمريكا بوش الابن وطاقم الجمهوريين آنذاك دخلوا العراق وخرجوا منه في عهد أوباما وإدارة الديمقراطيين صفر اليدين، بل نستطيع القول انهم سلموا العراق لإيران من حيث يريدون أو لا يريدون، فالقضية أخطاء كارثية رهيبة في ادارة الصراع.


وكذلك فعلوا أو بالأدق كذلك حين اخترعوا بشكل أو بآخر ما اسموه «الربيع العربي» الذي تركوه خراباً ودماراً، وابتعدوا بعد الخراب يتفرجون على الخسائر بما فيها خسائرهم وخسائر مصالح بلدانهم التي من المفترض انها في المرتبة الأولى لكل «اختراعاتهم»، بدءا من الربيع العربي وحتى الحرب على داعش التي بدت لغزا ولصالح النظام الإيراني كل ما خلفته «اختراعاتهم» المريبة.


بل انهم في آخر الشوط بدؤوا يدفعون ثمن «اختراعاتهم» وتكاليف ادارة الصراع الذي أداروه بشكل كارثي، فأصبحت عواصمهم ومدنهم عرضة لارهاب وعمليات تفجير واعتداء داخلي او محلي، بمعنى انها عمليات يقوم بها «مواطنون» من ذات البلد بغض النظر عن الأصول التي جاؤوا منها، فهم نتاج هذه الانظمة وهم بالدرجة الأولى نتاج إدارة هذه الانظمة للصراع العالمي والمحلي في بلدانها.
نستخدم هنا مصطلح الصراع بما يتجاوز الحروب ليشمل السياسة والاقتصاد والتجارة والثقافة والعمل وغيرها.


وبالنتيجة ومثالاً لا حصراً، أخفقت ادارة اوباما بعد ثمانٍ عجاف في إدارة الصراع بمعناه الواسع داخل أمريكا وخارجها، فلا مشاريعه ولا برامجه الصحية وسواها نجحت، بل اخفقت وخلفت آثاراً سلبية كبيرة على المواطن الامريكي، ولا «غزله» الخطير الذي انغمس فيه مع عمامات ايران عاد على السياسة الخارجية الامريكية سوى بالخسارة والاخفاق المخجل.


وامريكا وادارتها للصراع مثال لاخفاقات ادارة الكبار في كل مكان هناك للصراع، بما فتح آفاقاً ومساحاتٍ واسعة وسهلة لبروز ولوصول التيارات الشعبوية التي استثمرت اخفاقات إدارة الصراع لصالح العزف المستمر على «الهيبة» التي فقدتها بلدانهم، وتراجع سمعتها إلى الدرك الاسفل، بما اشعل وجدان شوارع الكبار وعواصم بلدانهم بحشود شعبوية تفيض حماسات وترتفع فيها شعارات التوقع والعودة إلى اغلاق الابواب، والتفرغ لترميم الخسارات على مستوى هيبة بلدانهم وهيبة الكبار وبناء السدود واقامة الجدران امام العالم، بما يوحي بإعادة زمن القوميات العصبوية، وصولاً إلى إعادة انتاج عنصرية غربية لن يبدو فيها مفاجئاً عودة الاحزاب الفاشية وشعارات النازية شديدة التعصب، بما ينذر بكارثة اخرى لن تكون كارثة هتلرية بالقطع، لكنها ستكون كارثية عصبوية وعنصرية بغيضة ستدفع المرحلة القادمة من إدارة الصراع ثمنها المكلف ولربما المؤلم حتى داخل عواصم الكبار انفسهم.


ووسط هذا وذاك من تحولات ومتغيرات قادمة ولن يطول انتظارها وحدوثها شبه الوشيك، لن يكون بمقدور العرب الا البدء باستراتيجية تحوّل موازٍ للتحولات القادمة يكون على قاعدة استراتيجية اعادة ترتيب البيوت العربية على خلفية «البيت العربي الواحد» في مفهوم الكتلة أو التكتل الاقتصادي اولاً لتشكيل قوة يُحسب حسابها والتكتل سياسياً ما امكن إلى ذلك سبيلاً، وان بدت هذه الاستراتيجية مستحيلة او شبه مستحيلة لكنها في النهاية هي المخرج الوحيد لنا نحن العرب وسط الصراع وإدارة الصراع في المرحلة القادمة من قرن المفاجآت الصاعقة التي قطعنا فيه شوطاً بسيطاً ومازال هناك الكثير والكثير منه، فهل نحن فاعلون؟؟