أحمد يوسف أحمد

منذ ظهر ترامب على مسرح السياسة الأميركية بدأ الجدل حول هذا الشخص القادم من خارج المؤسسة السياسية القائمة، وعندما فاز بترشيح الحزب الجمهوري ازداد الجدل مع لمعان نجمه وإن ظل الكثيرون يتصورون أنه ظاهرة عابرة سرعان ما تختفي بانتهاء الانتخابات وخسارته إياها، غير أن المفاجأة المدوية وقعت وفاز ترامب وأصبح على الجميع داخل الولايات المتحدة وخارجها أن يتعاملوا مع أفكاره، وطمأن البعض نفسه بمقولة أن الرئيس غير المرشح وأنه سرعان ما سوف تقوم «المؤسسة» بتهذيبه بحيث يضبط خطاه على وقع مألوف سلوكها، لكن ما تبع فوز ترامب من مؤشرات لا يطمئن هذا البعض كثيراً فكل اختياراته حتى الآن تتسق مع ما أعلنه من أفكار إبان حملته الانتخابية: وزير خارجية صديق لبوتين، ووزير دفاع متشدد، وسفير في إسرائيل يتماهى مع سياسات يمينها المتطرف. وعلى صعيد السياسات تمرد ترامب على سياسة الصين الواحدة، وثبت على موقفه من الصراع السوري وأفكاره السخيفة تجاه دول الخليج العربية، وعدم طمأنة القلقين على مستقبل حلف الأطلسي.. ويبدو الآن في الأفق وكأن نموذج السياسة الأميركية في طريقه لتحولات محتملة.

تعودنا في الديمقراطيات المستقرة، بما فيها الديمقراطية الأميركية، أن يكون هناك تسليم بدهي بنتائج الانتخابات، لكننا في هذه المرة وجدنا قطاعات من الرأي العام ترفض النتيجة ولا تريد الاعتراف بترامب رئيساً. وفي حدود علمي فقد كانت هذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا الرفض الشعبي، بمعنى النزول إلى الشارع لنتائج انتخابات رئاسية، وبدأت دعوات لإعادة فرز الأصوات في عدد من الولايات وإن كانت هذه ليست السابقة الأولى في هذا الصدد، لكن الأهم أن الرئيس الأميركي الحالي الذي تبقى له شهر واحد في السلطة بدأ ينشط بوضوح ضد سياسات الرئيس المنتخب، فهو يؤكد على السياسة الأميركية الراهنة تجاه حلف الأطلسي، ويصعد ضد السياسة الروسية في سوريا، ويركز على عمليات القرصنة الإلكترونية التي تُتَهم روسيا بالقيام بها.. ثم قامت المخابرات المركزية الأميركية بعمل غير مألوف ادعت فيه أن عمليات القرصنة هذه كانت مسخرة لتعزيز حظوظ ترامب في الفوز بالرئاسة، وهو ما رد عليه ترامب وفريقه رداً قاسياً مؤداه أن مروجي هذه الأقوال هم أنفسهم من ادعوا أن صدام حسين كان يمتلك أسلحة دمار شامل، كما أن المتحدث باسم الكرملين رد بالمطالبة بإثبات ما يُقال وإلا أصبح الأمر نوعاً من الحماقة. والسؤال الآن هو: هل نحن إزاء احتمال صراع قد ينشب بين ترامب و«المؤسسة» التي أتى من خارجها؟ وهل يكون الهدف من هذا الصراع هو وضع العراقيل أمام تنفيذ سياساته إلى حد العمل على تقويض شرعيته بادعاء أن واحداً من عوامل فوزه هو تدخل روسيا بعمليات القرصنة المشار إليها، حتى ولو كان الثمن هو التشكيك في قدرة الولايات المتحدة على التصدي لهجمات كهذه، وهي قدرة يفترض أن المخابرات المركزية نفسها مسؤولة عن تعزيزها؟

قد يعني ما سبق أننا ربما نكون إزاء مرحلة جديدة يتغير فيها نموذج السياسة الأميركية من خلال صراع بين الوافد الجديد إلى البيت الأبيض والمؤسسة، ولن يكون هذا الصراع سهلاً على طرفيه، فالرئيس يملك سلطات واسعة تمكنه من أن يضع على رأس مؤسسات الحكم من يتفق مع سياساته، وقد بدأ في ذلك بالفعل، غير أن للمؤسسات البيروقراطية نفوذها على عملية صنع القرار دون شك بحكم الخبرة والتخصص. ولا شك أن هذا الصراع يعنينا لأن أبعاداً مهمة منه تتعلق ببعض قضايانا كالقضية الفلسطينية والصراع السوري والحرب على الإرهاب وموقفه من إيران. وثمة مواقف لترامب يمكن أن نستفيد منها، والعكس صحيح. وسوف يحكم موقفنا من هذا الصراع عاملان أولهما أن ترامب كرئيس للولايات المتحدة لا نستطيع بداهة تجاهله، والثاني أنه علينا العمل كعرب متكاتفين لتعظيم الفائدة وتقليل الخسائر من سياساته، لأن القعود لن يثمر إلا مزيداً من الافتراء على حقوقنا.