سمير عطا الله  

اغتيال السفير الروسي في أنقرة، ليس فصلاً في رواية، بل حدث جرمي بين بقع التاريخ. لكن علينا نحن أن ننظر إليه من زاوية درامية، إذا لم يكن القاتل ومحرضوه قد رتّبوا المسألة على هذا الأساس تمامًا. أي أن يستفزوا الروس في إهانة كرامتهم وغلوهم الحالي المندفع والمتدافع.
لا شيء يثير الروس مثل الشعور بالمذلّة. قتل السفير كان دعوة إلى المنازلة. ألكسندر بوشكين، أعظم شعراء روسيا، ورمزها الوطني والروحي والأدبي إلى اليوم، قُتل في مبارزة مع وسيم فرنسي خالع، أحب زوجته الجميلة. بلاط القيصر كله كان هائمًا بجمال السيدة بوشكين. والعاصمة بطرسبرغ. والطبقة الراقية. لكن بوشكين شعر بالإهانة من هذا الفرنسي الرقيع، فتحداه إلى مبارزة قتل فيها برصاصة في صدره.
وتقوم رواية «الإخوة كرامازوف» لدويستويفسكي على إهانة وجهها كبير الإخوة إلى رجل فقير. وما زالت المرارة قائمة إلى أن يعتذر منه على فراش موته. انتقم الروس (رواية الحرب والسلام لتولستوي) من نابليون، ليس بسبب الاعتداء، بل بسبب الإهانة. وانتقموا من الألمان في الحرب العالمية الثانية باستباحة عرضهم في كل المدن، ردًا للإهانة.
الضابط التركي لم يقتل السفير الروسي ويلوذ بالفرار، بل وقف يلقي كلمة عن حلب شاهرًا مسدسه في وجه الجميع. والإعداد لمثل هذه العملية ومعرفة مواعيد السفير، والمنفذ ضابط يحمل مسدسًا ميريًا، يبدو وكأنه عمل مدبر كإهانة لفلاديمير بوتين، الخارج من حلب متباهيًا بالانتصار. وربما كان أيضًا إشارة إلى حرب مفتوحة مع روسيا كما مع شريكها الجديد، رجب طيب إردوغان. وعندما قال بوتين إن هدف الاغتيال كان تخريب العلاقة مع تركيا، فهذا غير صحيح. القاتل ومن خلفه يعرفون أن لا شيء سوف يعيد العلاقة إلى الوراء. ما أراده حقا هو القول إن الشعب الروسي ليس وحده من تزلزله الإهانة. وقد عكر نشوة الانتصار على سيد الكرملين على الرغم من كل الجدران المذهبة خلفه، والأبواب المذهبة التي تُفتح أمامه وتُغلق خلفه.
الجريمة جريمة. وقتل «المعاهد» حرام في الإسلام، الذي أعطى المبعوثين حماية مطلقة قبل أن يقروا اتفاقات فيينا. وهذه الجريمة تفتح بابًا آخر في الجحيم المحيق. وقد سارعت أميركا إلى إغلاق سفارتها في أنقرة، لأن حمم البراكين لا تعرف التمييز في أزمان الفورة.