محمد عارف

اقتَرَحَ الرئيسُ الروسي على الرئيس الأميركي توحيد جواسيسهما، توفيراً للنفقات، طالما كان الجواسيس أنفسهم يعملون لصالح الدولتين. هذه نكتة معروفة من عهد الزعيمين الراحلين، السوفييتي «خروشوف» والأميركي «كنيدي»، لكن أصح منها ما وقع فعلاً وهو إعلان الرئيس الأميركي المنتخب «ترامب» خفض الوقت المخصص للنظر في تقارير المخابرات الأميركية من ساعة يومياً إلى ساعة أسبوعياً. فما جديّة مخابرات تستقبله بنبأ اجتياح القوة «السايبرية» الروسية «واشنطن» لدعم انتخابه للرئاسة، وما قيمة ديموقراطية الدولة الديموقراطية العظمى إذا أمكن تغيير نتائج أهم قراراتها بـ«الريموت» من موسكو؟!

كمية الملفات التي يقال إن قراصنة «السايبر» الروس سرقوها من شبكة أجهزة الكومبيوتر في «الحزب الديموقراطي الأميركي» تفوق بالطول عند وضعها واحدة فوق الأخرى «نصب واشنطن» التذكاري في العاصمة الأميركية، والبالغ ارتفاعه نحو 170 متراً. والتفاصيل المعلنة عن سرقتها نسخة من مسلسل الفيلم الأميركي الممتع «أنتَ ترانا الآن»، حيث تتداخل الوقائع والشخصيات والصدف بشكل لا يُصدّق. فمثلاً «الدوقات»، وهو اسم فريق التجسس «السايبري» الروسي المرتبط بالكرملين، في الواقع وليس في الفيلم، سعى «المكتب الفيدرالي» الأميركي طوال سنوات للحيلولة دون اختراقه بريد «البيت الأبيض» السري، وبريد «وزارة الخارجية»، وحتى بريد «قيادة القوات المشتركة».

وكالمفارقات الهزلية في الفيلم، يحاول في الواقع وكيل المخابرات الأميركية أسابيع عدة إبلاغ مقاول تأمين الحماية التقنية لشبكة «الحزب الديموقراطي» بأن «الدوقات» اخترقوه، وسرقوا ملفات «هيلاري» مما يهدد فرصها في الفوز. لكن المقاول الذي كان يسعى للحصول على معلومات عن «الدوقات» بوساطة محرك البحث «غوغول»، اعتقد أن وكيل المخابرات الذي ينبهه إلى الخطر شخصية مختلقة للإيقاع به. وهكذا تسير الأحداث، ليس في الفيلم ولكن في واشنطن، حيث المسافة بين «المكتب الفيديرالي» ومقر «الحزب الديموقراطي» أقل من كيلومتر، ومع ذلك لم يكلف أيُّ طرف نفسه الذهاب شخصياً لاستقصاء الموضوع.

وفي الحلقة الثانية المثيرة، من مسلسل الحدث، وليس الفيلم، يحوِّلُ قرصانا معلومات روسيان خطيران اسمهما «الدب المتونس» و«الدب المزخرف»، الملفات المسروقة إلى «ويكيليكس». وابتهج «أسانج»، صاحب «ويكيليكس» اللاجئ منذ سنتين في سفارة الإكوادور بلندن عندما تسابقت الصحف العالمية في نشر الوثائق المسروقة بمجرد عرضها في موقعه، واعتبرتها السبب في خسارة «هيلاري» الانتخابات. هنا بَلَغَت قوة اندماجي بقراءة التقارير على شاشة كومبيوتري أنني ارتعبتُ حين ظهرت رسالة من «غوغل» تُحذِّر: «أحدُهم سرق كلمة سرك»، وأوشكت أن أمتثل لأمر «غيِّر كلمة السّر» عندما أدركتُ أن الرسالة ليست موجهة إليَّ، بل إلى مقاول أمن شبكة كومبيوتر حزب «هيلاري»!

وتذكرتُ أن توقيت اختراق القراصنة، والذي يوافق ساعات الدوام الرسمي في روسيا، اعتبرته المخابرات الأميركية دليلاً على تورط موسكو بسرقة الوثائق، نكتة من العهد السوفييتي، وتقترحُ كنكتة «خروشوف» و«كنيدي» لحل هذه اللخبطة التاريخية عن طريق عقد تحالف استراتيجي جاسوسي أميركي روسي، ليس بهدف الاقتصاد في الإنفاق فحسب، بل لأن شبكة الإنترنت العالمية منهارة، حسب «والتر إيساكسون»، رئيس «معهد أسبين» المشهور ببحوثه الدولية. والحروب «السايبرية» الجارية من مظاهر الانهيار، وأحدث وقائعها إعلان «ياهو» الأسبوع الماضي سرقة قراصنة المعلومات مليار عنوان مشترك فيها، تتضمن معلومات حساسة كالأرقام السرية للمشتركين، وهواتفهم، وتاريخ ميلادهم. ولم تشف «ياهو» بعد من آثار غزو نصف مليون «سبام» وهي رسائل عشوائية تشلُّ كل عنوان يتعرض لهجماتها. وطَرَحت أخيراً مجموعة قراصنة تدعو نفسها «سماسرة الظلال»، ملفات «وكالة الأمن القومي» الأميركية للبيع بالمزاد. وإذا أخذنا بالاعتبار حجم النشاطات عبر الإنترنت في الأعمال والتسويق والتعليم والإعلام والاقتصاد، فسندرك القيمة الاستراتيجية لعقد تحالف جاسوسي أميركي روسي.