صالح الديواني

المثقف السلفي، هو ألدّ أعداء التغيير والمستقبل، فهو يكتب كأديب ويفكر كرجل دين!. 
كانت هذه تغريدة مختصرة أطلقتها على مواقع التواصل الاجتماعي، الأسبوع الماضي، ولاقت من الردود ما يكفي لأستطلع حجم التأثير النفسي المرتبط بالماضي في الذاكرة الاجتماعية على مستوى الأفراد والجماعات. 
وكان لمصطلح "السلفي"، وقع كبير على عقلية وتفكير الكثيرين، كشفته ردة العفل في الردود الواردة على التغريدة.
إذ ربط الغالبية بين "السلفي" كمصطلح لغوي، وصفة مطلقة لرجل الدين الذي وردت الإشارة إليه في آخر التغريدة، كاستدلال تناظري بين شيئين، وهي ردة فعل أهملت كل ما يمكن أن تذهب إليه التغريدة خارج هذا التفكير، وحدث ما توقعته تماما، إذ كان مصطلح "السلفي"، هو أكثر ما استثار الأصدقاء، وذهبوا تلقائيا باتجاه المتدين السلفي والدين من منظور السلفية، في إسقاطات متوقعة على الرغم من غرابتها وعدم منطقيتها، دون الوعي بأن المصطلح عام غير خاص في اللغة، ويمكن إطلاقه على كل ما ومن يتكئ على الماضي المرتبط بالثابت وغير الثابت، وليس المصطلح حكرا وصفيا على المسلم المنتمي لنهج السلفية الدينية فقط. 
فنحن نقول لمن يخلف شخصا سابقا له ويكون مُجيدا "كان خير خلف لخير سلف"، فهل يعني هذا بالضرورة أن السلف الواردة، تعني صحابة الرسول الكريم وأتباعه؟ قطعا لا.
لقد ثبت أن العقل الجمعي يتحدث تحت ضغط العواطف والانتماءات، ملغيا أية فكرة أخرى تتصالح مع المطروح، وهي أبرز صفاته على أية حال، ويضطرك ذلك إلى شرح كل تفاصيل ما تريد قوله، فالخلط الذي يقع فيه العقل الجمعي يستوجب ذلك، لأن الذهنية الاجتماعية لا تبدو مستعدة بعد للتفريق بين ماهية المصطلح، وماهية التوجه، وماهية الفكرة ومكوناتها، ولديه الاستعداد الكامل للمحاكمة الجاهزة على ضوء ما يعتقد أنه ثوابت، هي في الواقع صنيعة الجهل الثقافي.
المثقف السلفي، هو ذلك الذي يجتر النماذج القديمة ويعيش داخلها بمعزل عن حاضره وما فيه، وبذلك لن يصنع رؤية واضحة للمستقبل، لكنه يكتب وفق أدبيات الكتابة وضرورات اللغة، وفيه من صفات الأديب وعلامات الثقافة.
ويكون المثقف الذي يرى أن قواعد نظم الشعر مثلا، وكتابة المقامات، وطريقة الكتابة والنظرة الفكرية للماضي، ثوابت موازية للثوابت التي ينطلق منها رجل الدين، لا محيد عنها، ولا يمكن تغييرها أو تجاوزها، مصرا على إسقاطها على كل تفاصيل الأدب والثقافة والمتغيرات، سلفيا أدبيا بامتياز، فالضغط الذي يقع تحته، ليس سوى نتيجة أسلوب التلقين الثقافي الذي تلقاه عبر سنوات تعليمه في طفولته، ولم يستطع تجاوز تلك النقطة، على الرغم من كمّ القراءات اللاحقة في فترات عمره، فقد تحول ما تعلمه في الصغر إلى ثوابت توازي ثوابت الدين تماما، وهو ما يفسر قتاله عما يراه، بذات القوة التي يقاتل بها بعض السلفيين المتدينين.
في المقابل، يظهر رجل الدين حين يكون سلفيا أو شيعيا أو صوفيا أو....، متكئا على ثوابت، كالإيمان بالله ورسوله والقرآن، وغيرها مما ورد ثبوته، وهي التي لا يمكن لأحد أن يجرب فيها التغيير، وهذا ما يجب عليه وعلى المؤمنين طبيعيا.
كما أن المثقف السلفي ليس لديه الاستعداد ليكون إنسانا عالميا على مستوى الوعي والثقافة، متمسكا بالجذور –التي يراها ثوابت غير قابلة للتغيير- ويعيش ازدواجية بين مفاهيم المكان والزمان، ويظهر ارتباكه في ذلك من خلال إنتاجه وتطبيقاته على الأرض، على الرغم من أن ذلك لا يقتضي أكثر من توسيع الإدراك بماهية الثقافة، والتنازل عن صنمية الفكرة الأولى التي يقتنع بها في العادة أكثر المثقفين السلفيين.