نبيل عمرو

لو كانت حلب مجرد جيب متمرد على الدولة والنظام، لقلنا إن تدميرها واحتلالها وتهجير أهلها، أنهى الوضع إلى الأبد واقتلع شوكة مغروزة في جسد معافى، وأعاد الحياة الآمنة من خطر الموت اليومي إلى أهلها.

إلا أن حلب ليست كذلك، لا جيًبا ولا شوكة، وإنما مدينة تاريخية وإبداعية ومجتمع حضاري حي، كما أنها ليست معزولة داخل حدود جغرافيتها على الخريطة، بل هي روح تعيش في أمة بكاملها، وما حدث لها لن يمر مرور الكرام ولن يكون مجرد فصل من فصول رواية أسدل الستار عليها.

حلب طرحت كثيًرا من الأسئلة وستتولى الأحداث التي تلي تدميرها الإجابة الشافية عنها. سؤال أول... كم مدينة يحتاج اللاعبون على أرض سوريا لتدميرها كي يتمكن أي طرف من أطراف الحرب ادعاء الانتصار فيها؟

سؤال ثاٍن... أي صيغة سياسية يمكن التوصل إليها بحيث ترضي أطراف كل تحالف على حدة، وبعد ذلك ترضي كل أطراف الحرب التي يشترك الكون كله فيها، هل من صيغة لاقتسام الغنائم بين إيران وسوريا، وهل من صيغة لإرضاء الأكراد والأتراك، وإرضاء السنة والشيعة والعلويين وغيرهم من مكونات الموزاييك السوري الذي نعرف بعضه ولا نعرفه كله؟

سؤال ثالث... وبعد تدمير المدن وتهجير ملايين جديدة ومع تبادل الإفراجات عن المحتجزين في كثير المواقع، هل من ضمانة بأن لا يتحول الدمار والتهجير والثارات المعتملة في الصدور والانكسار الطائفي إلى مصادر إرهاب ربما تكون أخطر وأفعل من كل الإرهابات التي عرفناها، وما زلنا ندفع ثمن أفعالها ونتخوف من انتشار سرطانها؟

سؤال رابع... وهنا يأتي دور «البيزنس» الذي يتحدث عنه كثيرون بخصوص إعادة إعمار سوريا، فإذا كانت إيران وروسيا والصين، هم المرشحين لإعادة الإعمار، فكم من المليارات يلزم لذلك وما هي العائدات المتوقعة من إعادة إعمار بلد دمر فيه الإنسان والمجتمع قبل البنايات والطرق والمرافق؟

الجميع يقر بأنه قد تم بالفعل انتصار عسكري على حلب بعد أن تحولت إلى أرض محروقة، وشيء كهذا حدث قبل ذلك في تدمر ويحدث كل يوم في كثير من القرى والمواقع التي تنام على احتلال وتستيقظ على احتلال آخر، في وضع كهذا هل يبدو منطقًيا تحول حلب بل وسوريا كلها بصورة دائمة إلى ثكنة ميليشيات متعددة الجنسيات واللغات والأهداف، وأن يستمر هذا الوضع ويستقر في مدينة مثل حلب ومجتمعها الذي نعرف مشاربه الثقافية وجذوره العميقة في تربتها، ونعرف مدى انسجامه الوطني والثقافي وحتى الطائفي؟

لقد تسرع الذين اعتقدوا أن تدمير حلب تحول جذري في المصائر محلًيا وإقليمًيا ودولًيا، وتسرع الذين بشروا أنفسهم بحصص إعادة الأعمار كما لو أنهم بصدد اقتسام غنيمة سائبة لا أصحاب لها ولا حراس عليها.

التسرع في تضخيم الإنجازات والتقليل من المضاعفات، يبدو أنه ثقافة وإدمان، فكم مرة قيل إن الحرب في سوريا ستحسم خلال أيام، فإذا بها تدخل عامها الخامس وهي لا تزال في بداياتها، وعلى طريقة ما حل في حلب فبإمكاننا القول بكل حسرة وأسى، إن الحرب ما تزال في بداياتها، وبدل أن تكون حلب فصل الختام كما يأمل قصيرو النظر، فربما تكون بداية مرحلة جديدة، كما لو أننا بها نعود إلى المربعات الأولى...