الرياض - محمد اليامي 

السعودية تغيّر لون طاقتها من الأسود إلى الأبيض وهي لكلاهما ممتنة، فالزيت الأسود كانت دوماً تتعامل معه كنعمة سخّرتها في بناء الداخل، والمساهمة في بناء الكثير من الدول في الخارج، لم تكن تلتفت إلى محاولات إلصاق وتكريس صورة ذهنية عن دول الخليج أخذت تعبيراً ظاهره النقد وباطنه الانتقاد، سمَّاها مناضلون وهميون «ثقافة النفط» بمقاصد معروفة، لتثبت السعودية أن للنفط ثقافة بالتأكيد، هي ثقافة استثماره التي أجادتها عقوداً من الزمن.

اليوم تبدأ السعودية رحلة التحول إلى «النفط الأبيض»، وهو ليس زيتاً في باطن الأرض، إنه وقود في أرواح قادتها وأبنائها، يستلهمون منه رؤيتهم الجديدة لوطن يتجدد، وتحولهم النوعي لاقتصاد يستعيد شبابه عبر شباب الوطن.

بلاد أنتجت النفط، واستنتجت من تجربته الكثير، ولم تستسلم لغواية أن تظل تأخذ من ريع الأرض لتعطي سكانها في دورة استهلاك كانت مهمة في أوقات تسارع البناء، واليوم اعتبرتها السعودية «ملهمة» للتغيير، وجرس إنذار بوجوبه، فوضعت نصب عينيها أن نفطها الجديد هو الروح الجديدة، وأن اللون الأسود للزيت كان طريقاً للبياض الذي سيظهر شيئاً فشيئاً في ملامح اقتصاد يرتكز على المعرفة، والعقول، والسواعد الوطنية، ويؤسس لبناء جديد بفكر حديث.

الموازنة الجديدة تثبت أن «الرؤية» ليست أحلاماً أو اعلاماً فقط، بل هي واقع تعيشه البلاد، واقع مشت الحكومة نحوه قبل أن تتراكض عليها أحداث العالم والمنطقة الاقتصادية، وقبل أن تتكالب على خزانتها النفقات التي أصبح لزاماً تغيير أسلوبها وبرامجها، لتعود بمزيد من البياض على الثروة السوداء التي ستزول يوماً ما. تنفس العالم الصعداء، فالسعودية تثبت كعادتها رسوخاً في التأني، وإصراراً على المسير، بحكمة الشيوخ، وطاقة الشباب، وزادها نسيج متجانس على المستوى الشعبي، وتكاتف قلَّ نظيره في العالم بين القيادة والشعب. هنأ المستثمرون بعضهم، وشمر الطموحون عن سواعدهم، واطمأن الفقراء وذوو الدخول المنخفضة إلى أن دعمهم باقٍ وبطريقة أذكى، وعرف الجميع أن من يستهلك أكثر سيدفع أكثر، وأن المحتاج أَوْلَى ببلايين الدعم الحكومي، فزادت الطمأنينة إلى أن الأمر ليس «تقشفاً» مرحلياً بقدر ما هو مراحل جديدة، ابتغاء استمرار الحلة السعودية قشيبة.. قشيبة.