خالد عليان

اخترقت المملكة الحصار القاتل في اليمن، وأمدت بالغذاء والدواء أكثر من محافظة يمنية عبر شراكات متعددة مع الأمم المتحدة، وتنسيق وتعاون مع منظمات المجتمع المدني في اليمن.

لا شيء شاهد على حجم الدمار والإفراط في الانتقام كما هي الصورة التي خلفتها الميليشيات الانقلابية في اليمن عقب الانقلاب الأسود في 21 سبتمبر 2014. 

فبعد انهزام قوات الحوثي وصالح في عدن والمحافظات الجنوبية تكشف المشهد عن حجم دمار مخيف، بدت فيه أحياء بأكملها في مناطق التواهي وكريتر والمعلا والقلوعة وأطراف دار سعد بالعاصمة اليمنية المؤقتة "عدن"؛ مُدمرة بصورة شبه كاملة!

وهناك ما يقرب من 10 آلاف منزل تم تدميرها إما كليا أو جزئيا في مشهد صادم لم يستثنِ المباني الدينية والأثرية التاريخية.
وشمالا يزداد وجع المدينة المنكوبة في تعز، فقد رصدت التقارير معاناة المدنيين والمواطنين في تعز جراء حصار المدينة الخانق من قبل ميليشيا الحوثي وصالح، وقد وصل الحال بالجماعة المسلحة إلى منع دخول "أنابيب الأوكسجين" للمستشفيات بعد أن شحت المواد الغذائية والمياه النظيفة.

كما منعت الميليشيات دخول الإغاثة إلى تعز واستولت على مواد غذائية وطبية قدمت إلى المدينة لمساعدة المحتاجين بعد سيطرتها على منافذ الدخول والخروج من وإلى المدينة.

أما غربا فقد ازداد الوضع تفاقما حتى كشفت التقارير والصور وعملية الرصد عن ظهور مجاعة بشرية في محافظ الحديدة الساحلية، وظهور أمراض وأوبئة على رأسها حمى الضنك، فتكت بحياة المئات نتيجة نقص الغذاء والدواء وانعدام المياه الصالحة للشرب.

وضع أعجز المنظمات الدولية والإغاثية عن التحرك في عملية الإنقاذ الإنسانية المنشودة رغم مناشدات دولية وتقارير موثقة لحجم الكارثة التي وصل إليها الناس بسبب قطع الميليشيات كل أعمال الإغاثة، ونهب محتوياتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي خضم هذه الأجواء وتعقيداتها أحدثت المملكة العربية السعودية اختراقا واضحا لجدار الحصار القاتل في اليمن، وأمدت بالغذاء والدواء والمستلزمات الضرورية أكثر من محافظة يمنية عبر شراكات متعددة مع الأمم المتحدة، وتنسيق وتعاون مع أبرز منظمات المجتمع المدني والجمعيات الإنسانية في اليمن.

فقد بادرت المملكة عقب عملية إعادة الأمل بإنشاء مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، وأعلن ملك الإنسانية سلمان بن عبدالعزيز عن التبرع بمبلغ 274 مليون ريال لأعمال الإغاثة في اليمن، والعمل مع المؤسسات الدولية لإيصال المساعدات بشكل عاجل. 

فقد مخرت البحر العربي أول سفينة مساعدات تصل اليمن بعد تحرر مدينة عدن من العصابات الانقلابية، حيث وصلت سفينة "درب الخير" الإغاثية محملة بـ3540 طنًا من المواد الغذائية والطبية، ثم تلتها سفينة إغاثية أخرى احتوت على 4500 طن من مختلف المواد الغذائية والمعدات الطبية والمولدات الكهربائية، بجانب تخصيص مبلغ 270 ألف ريال سعودي مساهمة في مكافحة حمى الضنك في عدن وحضرموت، وتجهيز 4 مستوصفات طبية بتكلفة مليون ريال سعودي.

جسر الإمداد الجوي كان خطا ساخنا منذ اللحظات الأولى، ورغم خروج مطار عدن عن الجاهزية إلا أن طائرات شحن تابعة لقيادة القوات الجوية الملكية السعودية أنزلت عددا من المساعدات العاجلة الطبية والدوائية والغذائية مقدمة من مركز الملك سلمان للإغاثة، بالإضافة إلى احتياجات أساسية مقدمة من منظمة أطباء بلا حدود ومن الأمم المتحدة.

وعلى الأرض كان عدد كبير من القاطرات السعودية يحمل مشتقات نفطية تعبر منفذ الوديعة، المنفذ البري الوحيد الذي ما يزال يعمل بشكل متواصل، بالإضافة إلى شاحنات محملة بأطنان من المواد الغذائية والإغاثية والأدوية والتجهيزات الطبية والتمور كمساعدة لمحافظة مأرب التي لجأ إليها كثير من اليمنيين جراء الحرب الظالمة. 

وفي الاتجاه ذاته شهدت مدينة سيئون بمحافظة حضرموت توزيع 100 ألف سلة غذائية من المساعدات الإغاثية دفع بها مركز الملك سلمان في إطار جسره الإغاثي لمساعدة النازحين والمتضررين من تداعيات الحرب.

كما نفذ المركز خارج الحدود اليمنية برنامجاً إغاثيا لتقديم الخدمات الإنسانية والأساسية للاجئين اليمنيين في جيبوتي بالتنسيق مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

وفي الوقت الذي عجزت منظمات الأمم المتحدة عن الوصول إلى مناطق الصراع الساخنة؛ وصلت المساعدات الإنسانية والطبية التي قام بها مركز الملك سلمان بالإنزال الجوي في تعز بالتنسيق مع قوات التحالف العربي.

كما استطاعت المملكة وعبر نوافذها المتعددة أن تصل إلى مديرية اللحية بمحافظة الحديدة التي يعاني أبناؤها من كارثة المجاعة، وقدمت لهم إعانة غذائية متكاملة وأوصلت إليهم بعض الاحتياجات الصحية في محاولة للتخفيف من المعاناة الإنسانية المتفاقمة جراء الحصار والحرب المفروضة. 

هذا بالإضافة إلى السماح لعدد كبير من البواخر والسفن المحملة بالوقود والمواد الإغاثية والمساعدات الإنسانية والطبية دخول موانئ اليمن بالتنسيق مع خلية الإجلاء والعمليات الإنسانية بوزارة الدفاع السعودية.

وعندما أصيبت بعض المحافظات اليمنية بأضرار إعصاري "تشابلا" و"ميج"، سارعت المملكة بحملة إغاثية باتجاه حضرموت وسقطرى، حيث وصلت إلى مطار محافظة أرخبيل سقطرى اليمنية طائرتان إغاثيتان تحملان مواد إغاثية وإيوائية، تكفل الحياة الكريمة لمن تضرروا من الإعصار.

وإن كانت هناك صعوبة في الإلمام بكل ما قُدم في سبيل مساعدة وإغاثة الشعب اليمني من قبل مملكة الإنسانية في إعانة أخوية وشعور حقيقي بالجسد الواحد، ترجمته كلمات خادم الحريمين الشريفين مؤخرا، حيث أوضح أن أمن اليمن من أمن المملكة، وأنه لا بد من مساعدة الشعب اليمني على النهوض مجددا؛ إلا أن المساعي التي تبذلها المملكة العربية السعودية في أكبر مشروع سيشهده التاريخ اليمني وتاريخ المنطقة العربية في إعادة إعمار اليمن، سواء عبر استدعاء الدول المانحة أو ترتيب إطلاق مؤتمر خاص بإعادة الإعمار وجلب رؤوس المال لصناعة يمن جديد مشرق، كل هذا سينهي عذابات اليمنيين وينعم أبناؤهم بالاستقرار والسعادة، وتبسم الحياه في وجوههم من جديد، ليعود اليمن كما عهده التاريخ: اليمن السعيد.