خالد بن حمد المالك

في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز، وتحديداً في الميزانية الجديدة التي أعلنت أمس رأينا ما يسر، ويبهج الخاطر، ويعزِّز مكانة المملكة كدولة لا تُخفي على مواطنيها ما ينبغي إيضاحه لهم، ضمن سياسة الشفافية التي وجَّه بها خادم الحرمين الشريفين، وطالب المسؤولين بأهمية الالتزام بها، بل وترسيخها في كل تعاملات الدولة، المالية منها وغير المالية، ضمن التطبيق الصحيح لرؤية المملكة وبرامجها التحولية التي ستتوالى تباعاً.
* *
ومن الواضح أن الملك سلمان بن عبدالعزيز، أخذ بهذه السياسة ليضع حداً للشائعات، ويقضي على الكلام المغلوط، ومن أجل أن يحافظ على المال العام، بإشراك المواطن في معرفة التفاصيل الدقيقة والأرقام الصحيحة عن إيرادات الدولة ومصروفاتها، بما يجعل المواطن عين الملك في مراقبة أي خلل أو تقصير أو فساد، وشريكاً في مسؤولية المراقبة لأي انحراف يضر بالمصلحة العامة.
* *
وبهذه السياسة صدرت أمس ميزانية الدولة للعام الجديد، مختلفة في تبويبها وتفاصيلها عن أي ميزانية سابقة للدولة على امتداد تاريخها، فلم تعد هناك معلومات لم ترد تفاصيل عنها، أو أرقام ينقصها الوضوح، أو مشروعات لا يتوفر فيها عنصر الشفافية، أو مقارنات تغيِّب الوضوح المطلوب، وإنما تم إعدادها وتبويبها بصورة مغايرة لما كانت عليه، حيث التفاصيل والمقارنات التي تسمح بتحليلها، وإبداء الرأي فيها، ونقدها النقد الصحيح.
* *
هذا التوجه الجديد الذي يقوده الملك سلمان بن عبدالعزيز شخصياً، سيجعل المملكة أمام تحول وطني حقيقي يعتمد على المزيد من المصداقية، والكثير من الشفافية، بما لا يسمح للشائعات، أن تؤثِّر في فكر ومعلومات المواطن، وبما يجعل الناس أمام حقائق لا تخفيها معلومات مضلِّلة، أو رأي مشكوك في نواياه، أو هدف مشبوه يسعى إلى البلبلة، أو عمل لخلق جو يسود فيه التشكيك وعدم الثقة في كل معلومة صحيحة، وحقيقة واضحة للعقلاء.
* *
لنقرأ التفاصيل والمعلومات والأرقام والمقارنات بتأن وكما هي في الميزانية، ثم لنتساءل: هل من غموض فيها، أو معلومات غُيِّبت عن متصفحها، أو سؤال لا تجد جوابه بين ما ورد فيها. المؤكد أننا أمام ميزانية مثالية، لم يتدخل انخفاض أسعار النفط والعجز في الميزانية في التأثير على مسار الشفافية التي انتهجها الملك سلمان في ميزانية الدولة الجديدة ووجّه بها ولي العهد وولي ولي العهد وأعضاء مجلس الوزراء.
* *
وتأكيداً لذلك فقد سبق إعلان الميزانية دعوة الأمير محمد بن سلمان لرؤساء التحرير والكتَّاب وعدد من إعلاميي القنوات الفضائية لإطلاعهم على الخطوط العريضة لبنود الميزانية، ولم يكتف سموه بذلك خلال اجتماعه بهم على مدى ساعات، مجيباً عن أسئلتهم، بل إنه كان يحرّضهم للسؤال عن كل ما قد يُثار حول الميزانية، ورأيهم بالخطوات الصعبة التي اتخذتها الدولة لمواجهة تحديات انخفاض أسعار النفط، وهو ما تم، حيث سألوا بجرأة، وخرج الجميع بانطباعات إيجابية، واعتبروا هذه الدعوة مؤشراً على الثقة بأن المستقبل يومض بالكثير من الأخبار السارة.
* *
هذه الدعوة التي بادر بها ولي ولي العهد، وكشف عن أوراق الميزانية خلال الاجتماع، ولم يحط الميزانية بالسرية قبل إعلانها كما هو معتاد، جاءت لتؤكِّد أن الإعلاميين شركاء في إنجاح الرؤية وبرنامج التحوّل الوطني، وما سيلي ذلك من برامج أخرى مهمة، وأن عليهم أن يتحمّلوا مسؤولياتهم في إيضاح الحقائق، وممارسة دورهم في النقد الموضوعي الذي يساعد المسؤولين في تجنب الأخطاء، وبناء الثقة مع المواطنين، اعتماداً على قرارات تخدمهم في المستقبل بدلاً من النظر إلى واقع الحال آنياً دون أن يفكروا بما سيؤول إليه الوضع من سوء لو لم تأتِ تلك القرارات الموجعة، والتي لا خيار ولا بديل عنها لتحقيق وضمان ما هو أفضل في المستقبل.
* *
ويجب ألا ننزعج من الضرائب والرسوم التي لم نتعوّد عليها، فهي وإن مست مداخيلنا على غرار ما يجري في دول العالم، فلن تكون إلا في حدها الأدنى، ولن تستمر إلى الأبد، إذ إن استمرارها مرهون بتنويع مصادر الدخل، وعدم الاعتماد على النفط فقط، وهذا يعني أن علينا أن نتحمَّل جميعاً خيارات صعبة لبعض الوقت لنتجنب ما هو أصعب، وأن نفتح نوافذ جديدة للاستثمار والعمل سواء كأفراد أو مؤسسات وشركات، في المجالات الصناعية والتجارية، والحد بقدر المستطاع من الاعتماد على الاستيراد في تأمين احتياجاتنا.
* *
لا أريد أن أتحدث عن أرقام الميزانية، وعن الخطوات الإصلاحية المصاحبة لها، فهذه موجودة بكل تفاصيلها في صفحات «الجزيرة» ووسائل الإعلام الأخرى، وبالتالي فهي متاحة للقراء، والتحليل وإبداء الرأي في كل باب من أبوابها، وهذا ما دعانا سمو الأمير محمد بن سلمان للقيام به، مؤكداً على أن جميع الأجهزة المعنية ستكون مهيأة للتعامل مع ما يُكتب بروح من المسؤولية، والحرص على المصلحة العامة، وأنها ستتجاوب مع كل ما له علاقة بالتطورات الاقتصادية في بلادنا.
* *
لقد كانت الزيادات التي تتم في مرتبات الموظفين وبدلاتهم في الماضي يصاحبها عادة ارتفاع في أسعار السلع والمواد الاستهلاكية، بحيث تفقد هذه الزيادات الهدف منها، حيث يأتي تزامن صدورها مع ارتفاع الأسعار دون مبرر، وكأنه بمثابة امتصاص من بعض التجار لهذه الزيادات. الآن ومع إلغاء البدلات، وإقرار الرسوم والضرائب، فإن التوجه الجديد بحسب ما عبّر عنه الأمير محمد بن سلمان خلال لقائنا بسموه سوف يكون في التركيز على ضبط حركة السوق، بحيث تكون أسعار السلع والمواد الاستهلاكية في حدودها الطبيعية، مع منع أي استغلال للمستهلك، وذلك بهدف حمايته من جشع بعض التجار.
* *
وإذا ما تم ضبط حركة السوق بمثل ما تخطّط له الدولة، ومُنعت المبالغات والتلاعب في أسعار السلع والمواد، فإن تأثير الرسوم والضرائب ورفع أسعار الكهرباء والماء والوقود وحتى إلغاء بعض البدلات التي كان يتمتع ويستفيد منها بعض الموظفين لن يكون لها ذلك الأثر الكبير في تضرر المستهلكين، وأعتقد أن موقف الدولة سيكون حازماً وجاداً مع أي متلاعب أو مستغل لجيوب المستهلكين، ما يعني أننا أمام حركة تصحيحية حقيقية تحفظ حقوق البائع والمشتري دون غش أو مبالغات في الأسعار، وهو ما يجعل المستهلك قادراً على تلبية احتياجاته بالشراء المريح دون أن يشعر بتأثير القرارات التصحيحية التي اتخذتها الدولة لمواجهة آثار انخفاض أسعار النفط.