وليد الرجيب

في لقاء له في إحدى الفضائيات، يقول الدكتور أمين ألبرت الريحاني، وهو ابن أخ الأديب والباحث والشاعر والفيلسوف والرحالة والرسام والسياسي أمين الريحاني: إن عصر التنوير قبل مئة عام، الذي ظهرت به أسماء نهضوية تنويرية، مثل جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة، أفضل من عصرنا هذا، حيث لم تكن هناك طائفية ولا حروب تمزق الأمة، بل كان هناك نزعة وشغف لتحديث بلداننا، وإحلال التنوير والمدنية واحترام حقوق الإنسان، مكان الظلام والتخلف والتجهيل التي زرعها الاستعمار العثماني على مدى أربعمئة عام، وجاء الاستعمار الأجنبي ليكرسها.

وفي مصر ظهر محمد عبده ورفاعة الطهطاوي وسلامة موسى وغيرهم، الذين لم ينقطعوا عن تراثهم إنما أرادوا الاستناد إلى العقلاني منه، والنهوض بالأمة العربية وإصلاح النظرة إلى الدين، وتخليصه من شوائب الخزعبلات والخرافات والغلو، وإبراز قيمه الإنسانية الإيجابية، عندما كان الأصل هو استخدام العقل، لا التمسك بالجمود العقائدي، الذي شجعه العثمانيون كي يسيطروا على الشعوب العربية، وهذا ينطبق على الإصلاحيين الكويتيين، أمثال الشيخ يوسف بن عيسى القناعي والشيخ عبدالعزيز الرشيد وصقر الشبيب، الذين قاوموا نزعة التخلف الديني والاجتماعي والثقافي آنذاك، وحاربوا التحريف والغلو والجمود.

كل هؤلاء كانوا مثقفين ذوي عقول نقدية متفتحة، وقاوموا المد الوهابي الذي يأخذ قشور التعاليم الإسلامية المحرفة، والفتاوى الشاذة لإغلاق العقول وتخديرها، وبالتالي السيطرة عليها لتطيع طاعة عمياء، واستغل الحكام السيطرة الدينية على عقول شعوبها، ليثبتوا أركان كراسيهم، بمن فيهم الحكام الذين يدعون الحداثة أو العلمانية، مثل السادات والأسد وغيرهما، الذين اعتبروا التخلف نعمة، وإن جمهور المؤمنين من العميان أو البسطاء قاعدتهم الاجتماعية، التي يستندون عليها ضد الأفكار الوطنية والديموقراطية، كما استغلوا وبحذق شديد التعصب القبلي والطائفي.

كل ما نراه من اقتتال بين المسلمين، وتعصب طائفي وعرقي وديني، وتدمير للمدن ولشواهد الحضارة والتاريخ المجيد، سببه تغييب العقل وغلو ديني غير محمود، وليس له علاقة بالدين الحنيف المتسامح، الذي شكل بمبادئه السمحة إمبراطورية ضخمة، ساهمت بتقديم الفنون والعلوم والفلسفة للعالم.

ألا نحتاج الآن لمثقف عضوي يملك عقلية نقدية وشجاعة، ليحمل لواء النهضة والتنوير والتخلص من التبعية؟ بل نحتاج إلى جبهة ثقافية تقودها الحركة الوطنية والتقدمية، التي يجب أن تعود إلى حضن الجماهير وبخطاب مفهوم غير متعال على الكتل الشعبية، التي تحتاج إلى الأخذ بيدها، لبناء الدولة الوطنية المدنية الحديثة، والمستقلة عن التبعية.