عادل درويش 

 قول الإنجليزي الشائع «من يرتدي البنطلون؟» (هو ويرز ذا تراوزرز) لأن البنطلون زي رجالي تقليدي والفستان نسائي. ويسخر البعض من رجل ضعيف الشخصية «زوجته ترتدي البنطلون».
تسهيلاً على القارئ أستخدم الكلمة المصرية البنطلون لأنها محددة الزي لا العربية سراويل، إذ تشمل عددًا من الأزياء (سراويل داخلية أو سراويل البيجاما... إلخ).
هذا الأسبوع تتحدث الصحافة والأوساط السياسية ووسائل التواصل الاجتماعي عن trousers - gate البنطلون - غيت، وأصبح مادة غنية لمنولوغيستات الكوميديا السياسية وبالطبع لرسامي الكاريكاتير.
وضع مرادفة «غيت» لأي ظاهرة سياسية يعود إلى منتصف السبعينات وفضيحة «ووترغيت» اسم الأوتيل الذي تجسس فيه الحزب الجمهوري على منافسيه في الانتخابات الرئاسية التي أتت بريتشارد نيكسون رئيسًا. وعندما كشف صحافيان في «واشنطن بوست» الفضيحة اضطر نيكسون للاستقالة. لكنها اليوم عند ربطها بجدل سياسي لم تعد تقتصر على فضيحة تتعلق بانتهاك قوانين أو فساد فقط بل أيضًا تتخذ طابعًا ساخرًا حول ازدواجية المعايير ونفاق الساسة، والسخرية من الساسة مثل رياضة ممتعة ولعبة التسلية المفضلة لدى الصحافيين في السلطة الرابعة في بريطانيا ومعظم الديمقراطيات الغربية. وهو أمر يرحب به الساسة الذين يعتبرون أنفسهم fair - game أو صيدًا حلالاً لسهام الخصوم وانتقادات الصحافيين بل ويتقبلونها بصدر رحب، (جانبها الإيجابي تبقيهم موجودين في نشرات الأخبار وصور المجلات ومانشتات الصفحات الأولى؛ فيتذكرهم الناخب لأن رصيدهم الأول هو الأصوات وليست قوة البوليس التي تحمي النظام أو التلفزيون الذي توجهه وزارة الإعلام) بل ويشاركون في الضحك والسخرية من أنفسهم.
الأمر قد لا يسهل فهمه في البلدان التي لا توجد فيها صحافة حرة يعتمد تمويلها على التوزيع أو لا تنتخب حكوماتها عبر البرلمان؛ أو تدخل السخرية من المسؤول فيها تحت البند الذي حاكم به كهنة الفاتيكان غاليليو بتهمة إثبات أن الأرض تدور حول الشمس لا العكس.
انطلق المسلسل السياسي الساخر للبنطلون - غيت من النائبة المحافظة نيكولا مورغان، وكانت وزيرة للمعارف في حكومة ديفيد كاميرون حتى أقالتها رئيسة الوزراء الجديدة تيريزا ماي من حكومة المحافظين الثانية في هذه الدورة البرلمانية.
السيدة مورغان انتقدت بنطلونًا من الجلد الفاخر ظهرت به رئيسة الحكومة تيريزا ماي في مجلة موجهة لأبناء الذوات والأثرياء في منطقة نايتسبريدج الفاخرة في وسط العاصمة من إعداد مصممة أزياء شهيرة. البنطلون ثمنه 995 جنيهًا إسترلينيًا ولنقل ألف جنيه لو منحت من تشتريه بقشيش خمسة جنيهات لبواب محل الأزياء.
مورغان قالت: إنها «فشخرة» وترف غير مألوف لأبناء وسيدات ميدين – هيد، الدائرة الانتخابية التي تمثلها السيدة ماي في الريف الإنجليزي منذ انتخابها عام 1997.
البنطلون الجلدي حسب توصيف هوليوود ترتديه نساء قويات بطلات عنف في الأفلام مثل كريستينا لوكين التي لعبت دور الروبوت المهلك القادم من المستقبل في فيلم ترميناتور - 3 كانت ترتدي بنطلون جلد (اللون نفسه الذي ارتدته السيدة ماي) وهي تدمر مركز القيادة بقسوة وتضرب رمز القوة والعنف في هوليوود، أرنولد شوارتزنيغر (بالمناسبة هو رجل سياسة وانتخب حاكمًا لكاليفورنيا)، علقة مهلكة تقسمه نصفين.
انقسمت المعلقات (اتخذ المعلقون الرجال قرارًا حكيمًا بالوقوف على الحياد في معركة النساء السياسية وإلا اتهموا بالميسوجينية أو معاداة المرأة والتي لا تتسامح فيها «بي بي سي» والمؤسسة الليبرالية) بعضهن يقول: إن جهاز الدعاية وغزل وتدوير الأخبار السياسية (ترجمة مفهومية لتعريف spin - doctors) يحاول أن يقدم تيريزا ماي بصورة لا تناسبها ويجعل منها امرأة حديدية بينما هي امرأة محافظة، فهي متدينة ابنة قسيس وحفيدة شاويش في الجيش.
وبالفعل الصورة غريبة عن تيريزا ماي التي عرفتها ولم تتغير منذ قابلتها أول مرة قبل 19 عامًا في مؤتمر الحزب، ثم لمرات لا تحصى في أروقة البرلمان، دائمًا عرفت بأحذيتها الحريمي الأنثوية التي عرفها المصورون الصحافيون بأحذية القطة (أو القطيطة بالتحديد) kitten - heels shoes وأصبحت موضة تقلدها فيها النساء المحافظات متوسطات العمر.
بل إنها أصبحت جزءًا من الإكسسوار المكمل لشخصيتها السياسية يركز عليها رسامو الكاريكاتير والمصورون ويستخدمها الخصوم في البرلمان للتنكيت عليها والسخرية الصحافية، بل وكثيرًا ما داعبناها نحن الصحافيين على ذلك.
والإكسسوار المكمل لشخصية الساسة جزء من التقاليد.
الزعيم الأشهر السير ونستون تشرشل اشتهر دائمًا بالسيجار؛ والزعيم العمالي هارولد ويلسون الذي كان رئيسًا لوزراء بريطانيا أربع مرات - 1964، 1968، 1974، 1975) اشتهر بالغليون الذي لم يفارقه (قال ويلسون إنه أدمن على الغليون بسبب توتر أعصابه في المفاوضات التجارية مع الوزراء السوفيات في عام 1948 كوزير للتجارة في حكومة كليمنت اتلي).
أما السيدة الحديدية مارغريت ثاتشر فاشتهرت بالهاندباج أو حقيبة اليد المعروفة في مصر بـ«شنطة اليد». ولأنها كانت شخصية قوية في عالم الرجال فكان المنولوغيستات ورسامو الكاريكاتير يمزجون ذلك بفلكلور شعبي عندما تضرب السيدة الشباب قليل الذوق بالشنطة، ليقولوا إنها تضرب الوزراء بالشنطة ليطيعوها...
بعض المعلقات بررن البنطلون الجلدي بأن العلاقات العامة في حكومتها تريد إضافة مظهر القوة على الزعيمة ماي عشية المعارك مع الاتحاد الأوروبي كالسيدة الحديدية ثاتشر.
لكن المدام ثاتشر كانت ضد الترف والتبرج، والتزمت أزياء منخفضة الثمن فهي من جيل أمي؛ جيل بطاقات تموين الحرب العالمية الثانية وتقشفها.
أما وزير الخارجية الحالي وعمدة لندن السابق بوريس جونسون فقد اشتهر بالدراجة التي كان يذهب بها إلى مكتبه، وهو الذي أدخل نظام وجود آلاف من الدراجات الهوائية التي يستأجرها الناس بثمن زهيد (نصف الساعة الأول مجانًا) للتنقل حلاً لأزمة المواصلات.
المجموعة الثانية من المعلقات، كالمحررة البرلمانية لـ«ديلي اكسبريس» اليسون ليتيل فقد قالت عندما استضفتها في برنامجي التلفزيوني الذي أقدمه على إحدى القنوات إن تيريزا ماي نفسها سمحت بنشر الصورة، لأنها تريد أن ترينا جانبًا آخر من شخصيتها لا نعرفه وهو أنها تتطور مع العصر وليست الشخصية الجامدة المنطوية ابنة القسيس الريفي وتهتم بالموضة (ماي في الستين من عمرها).
الأزمة تطورت وتحولت إلى «بنطلون - غيت» عندما أرسلت كبيرة موظفي داونينغ ستريت «تيكسيت» على موبايل السيدة مورغان تلغي دعوتها إلى حلقة نقاشية في مكتب رئيسة الحكومة حول الخروج من الاتحاد الأوروبي.
انتظر الصحافيون بكاميراتهم أمام دار السيدة مورغان لمعرفة رد فعلها على «تيكسيت» داونينغ ستريت... فضبطوها خارجة تحمل حقيبة يد فاخرة ثمنها... 995 جنيهًا إسترلينيًا... وصاحت إحدى الصحافيات: هل صحيح أنك ستنتقلين إلى السكن في بيت زجاجي؟