سعود بن هاشم جليدان

تركز البيانات الاقتصادية الكلية على الدخل والإنتاج والاستهلاك والأسعار والعملات والنقود والتجارة العالمية، بينما لا تحظى بيانات الثروة بالاهتمام العالمي نفسه على الرغم من أهميتها البالغة لكل المتغيرات الاقتصادية. ولا توفر دول العالم الغنية والفقيرة دون استثناء، معلومات عن الثروة بجودة وتغطية بيانات الدخل نفسها أو البيانات الاقتصادية الأخرى. وتتوافر معلومات لا بأس بها عن الثروة المالية في عدد من الدول المتقدمة، ولكن بيانات الثروة غير المالية ما زالت تعاني القصور. وتحاول بعض الجهات ومراكز الأبحاث توفير تقديرات حول ثروات الأسر وأعضائها البالغين، وضمن هذا الإطار يصدر معهد أبحاث كردت سويس تقريرا عن الثروة العالمية. ويوفر التقرير تقديرات عن ثروات الدول والبالغين ويحاول تغطية جميع مناطق ودول العالم، وركز في آخر إصدار له على ثروات أفقر مليار إنسان على الكرة الأرضية.

يشير آخر تقرير للمعهد في 2016 إلى أن إجمالي الثروة العالمية للبالغين وصل إلى نحو 256 تريليون دولار (نحو ثلاثة ونصف ضعف الناتج المحلي العالمي). وشهد نمو إجمالي الثروة تباطؤا واضحا، حيث تراجع إلى 1.4 في المائة في 2016. وعلى الرغم من هذا التباطؤ، ظلت معدلات الثروة للفرد البالغ عالميا مستقرة بسبب تساوي نمو الثروة مع معدل النمو السكاني. وبلغ معدل ثروة الشخص البالغ في العالم نحو 52800 دولار، أو نحو 198 ألف ريال. وهذا يعني حسب التقرير أن أي شخص بالغ تقل ثروته كثيرا عن المتوسط فهو فقير عالميا. أما بالنسبة للدول فقد أضافت الولايات المتحدة أكبر قدر من الثروة لسكانها في 2016 تلتها اليابان، بينما كانت بريطانيا أكبر خاسر للثروة في 2016 بسبب خروجها من الاتحاد الأوروبي. وتلعب معدلات الصرف دورا كبيرا في تحديد نمو مكاسب الثروة، حيث تسببت في تراجع ثروات الأسر وأعضائها البالغين في مناطق متعددة حول العالم. وشهدت مناطق العالم تباينا في نمو الثروة في أحدث البيانات، حيث ارتفع للشخص البالغ في منطقة المحيط الهادئ وآسيا (ماعدا الصين والهند) بنسب مرتفعة وصلت إلى 6.5 في المائة في عام 2016، كما ارتفع بأقل من 1 في المائة في أمريكا الشمالية، ولكنه تراجع في أوروبا والهند والصين بنحو 2 في المائة، وتدنى بنسبة تزيد على 5 في المائة في أمريكا اللاتينية وإفريقيا. أما من ناحية توزيع الثروة العالمية فتأتي أمريكا الشمالية في المقدمة بنحو 36.1 في المائة من إجمالي الثروة العالمية، تليها أوروبا بنحو 28.7 في المائة، ثم منطقة المحيط الهادئ وآسيا (ما عدا الصين) بنحو 20.9 في المائة، ثم تأتي الصين بنحو 9.2 في المائة، وبعدها بمراحل تأتي منطقة أمريكا اللاتينية والهند ثم إفريقيا في المؤخرة بأقل من 1 في المائة من الثروة العالمية. 

تتأثر تغيرات ثروات الأفراد والأسر بالنمو الاقتصادي، ومعدلات الادخار، والخصائص السكانية، وتغيرات أسعار الأصول، ومعدلات صرف العملة. وقادت تغيرات الأصول في الصين مثلا خلال العام الماضي إلى نمو ثروات البالغين بقوة، ولكن تراجعها هذا العام قاد إلى تراجع الثروات. أما في اليابان فقد أدى ارتفاع الين مقابل الدولار في النصف الثاني من 2015 والنصف الأول من 2016 إلى ارتفاع ثروات البالغين بأقوى المعدلات العالمية المقيمة بالدولار البالغة 19 في المائة. بينما تراجعت في دول مثل مصر وروسيا والأرجنتين بسبب هبوط العملة الوطنية بقوة أمام الدولار. وسجلت الأرجنتين أكبر تراجع في الثروة وبنسبة تصل إلى 27 في المائة لتراجع عملتها.

كانت متوسطات ثروات الأشخاص البالغين الأعلى في سويسرا وبمبلغ وصل إلى نحو 562 ألف دولار، تلتها أستراليا بنحو 376 ألف دولار للشخص. وأتت الولايات المتحدة في المركز الثالث بنحو 345 ألف دولار، ثم النرويج بنحو 312 ألف دولار. أما بالنسبة لوسيط الثروة الذي يظهر مدى العدالة في توزيع الدخل عند مقارنته بمتوسط الدخل في أي بلد، فتحتل سويسرا أيضا المرتبة الأولى بنحو 244 ألف دولار للشخص البالغ، ثم تأتي بعدها أستراليا ونيوزيلندا، بينما تتراجع الولايات المتحدة إلى المرتبة الـ 23 وبمبلغ قدره 45 ألف دولار، وهو ما يؤكد أن هناك معضلة حقيقية في توزيع الثروة في أمريكا ويفسر إلى حد ما حنق الناخب الأمريكي تجاه السياسيين في الانتخابات الأخيرة.

عموما، يؤكد التقرير تزايد الإجحاف في توزيع الثروة حول العالم الأمر الذي يثير قلق كثير من الأوساط، حيث يذكر أن 1 في المائة من سكان العالم يستحوذون على أكثر من نصف الثروة العالمية. إن العدالة في توزيع الثروة لا تقل أهمية عن عدالة توزيع الدخل في أي مجتمع إن لم تتفوق عليها. وتتطلب قضايا عدالة الثروات في البداية الحصول والتعرف على بيانات الثروة وتوزيعها بين الشرائح السكانية ومناطق أي بلد. وستتطرق المقالة القادمة للبيانات الواردة عن الثروة في المملكة الواردة في تقرير المعهد السويسري التي تبدو بعيدة بعض الشيء عن الواقع.