سلطان محمد النعيمي

«الولايات المتحدة لن تتدخل لمقاتلة حزب الله، فحزب الله لم يعلن الحرب على الولايات المتحدة، ولم يتآمر ضدها بخلاف (داعش) و(النصرة)».
ما الرابط بين تلك العبارة وعنوان هذا المقال؟ لعل هذا السؤال الذي يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم الذي ستترك له المساحة ليفك طلاسم ذلك الربط، ولكن بعد أن نسير معه في السطور التالية.
إنه عام 2003، الولايات المتحدة تغزو العراق، وأحد محاور الشر كما تطلق عليه (النظام الإيراني) يسهم في نجاح ذلك الغزو. تدبّ الفوضى في العراق وتزداد سوءًا بعد إعلان بول بريمر حلّ الجيش العراقي. الفراغ الأمني تزداد ملامحه شيئًا فشيئًا، وينطلق النظام الإيراني بواجهته «فيلق القدس» وقائده قاسم سليماني لتعزيز النفوذ الإيراني وتأثيره في العراق.
يزداد الوضع تدهورًا في العراق وتزداد معه الخسائر الأميركية.
إنه 2005، تصنف الولايات المتحدة الأميركية قاسم سليماني على أنه داعم للإرهاب الدولي، وتفرض عليه عقوبات عززها القرار الأممي رقم 1747 في 2007 يحظر بموجبه مجلس الأمن السفر على قاسم سليماني، ويعد أي بلد يسمح له بالعبور أو السفر متحديًا العقوبات المفروضة.
إذن العراق دولة ذات حدود دولية معترف بها، وبالتالي وجود سليماني فيها يعتبر انتهاكًا لتلك العقوبات.
ولكن..
عداد الخسائر الأميركية ما زال مستمرًا. ما العمل؟ القوات الأميركية في العراق تنسق الترتيبات الأمنية مع النظام الإيراني، وبالتالي لا بد من أن يكون لـ«فيلق القدس» وقائده دور ملموس في ذلك.
وأين إذن تلك العقوبات المفروضة على قاسم سليماني؟ يتساءل القارئ.
من جديد، في 2011، الولايات المتحدة تفرض على قاسم سليماني العقوبات مرة أخرى مع الرئيس السوري بشار الأسد وغيره من كبار المسؤولين السوريين، بسبب تورطه في تقديم دعم مادي للحكومة السورية. الاتحاد الأوروبي في يونيو (حزيران) 2011 يدرج ثلاثة من قادة الحرس الثوري الإيراني بينهم قاسم سليماني في قائمة العقوبات، لتوفيرهم أدوات للجيش السوري لغرض قمع الثورة السورية.
يبدو أن قاسم سليماني في مأزق، فهل هذا صحيح؟
تجتهد المحاولات للحصول على صورة لقاسم سليماني في العراق. يبدو الأمر صعبًا.
وفجأة.. صور قاسم سليماني تغص بها وسائل الإعلام المختلفة. ما الذي حدث؟
إنه صيف 2014، تنظيم داعش الإرهابي يجتاح شمال العراق، فرصة ذهبية للنظام الإيراني. كيف ذلك؟ يتساءل القارئ. الإجابة لدى وزير الخارجية الإيراني بقوله إن إيران الدولة الوحيدة القادرة على محاربة الإرهاب في المنطقة. حديث يثلج صدور الغرب لمواجهة الخطر العالمي الذي يهددهم.
صور لقاسم سليماني محمولاً على الأكتاف في عدد من المدن العراقية، وأثناء المعارك وأثناء وضع الخطط مع قادة الحشد الشعبي والجيش العراقي.
أين الحظر المفروض على قاسم سليماني وأين الموقف الأميركي من ذلك؟ يستذكر معي القارئ تصريح وزير الخارجية الأميركي وغيره المرحب بمشاركة إيران في محاربة الإرهاب. من سيتقدم لذلك غير «فيلق القدس» وبالتالي قاسم سليماني.
الوضع يشتد تأزمًا على الحليف السوري، لا بد من التحرك لإنقاذ محور المقاومة من قِبل النظام الإيراني. إذن لا بد من اتخاذ خطوات تجاه ذلك. يتجه قاسم سليماني قبل قرابة سنة نحو سوريا لدعم قوات النظام السوري والميليشيا الموالية له.
هل غاب هذا الأمر عن أجهزة المخابرات الأميركية؟ بالطبع لا، فصور قاسم سليماني التي أشار إليها المتحدث باسم الخارجية الأميركية أخيرًا لم تكن غائبة، لا عن الساحة العراقية ولا السورية.
من جديد أين موقف الولايات المتحدة من ذلك؟
إنه صيف 2015، يطل علينا قاسم سليماني من روسيا وزيارة تبعها مزيد من الوجود والحضور الروسي المؤثر على الساحة السورية. الموقف الأميركي ينفض الغبار عنه، ويستذكر أخيرًا أن هناك عقوبات مفروضة على قاسم سليماني.
يتبرأ المتحدث باسم الخارجية الأميركية بالقول إن زيارة قاسم سليماني إلى روسيا تعتبر انتهاكًا للعقوبات الأممية. ولذا ستطلب واشنطن من مجلس الأمن التحقيق في أمر هذه الزيارة.
إذن قاسم سليماني على وشك التعرض لمزيد من الضغوط، ولعل ذلك يدفع بأن يستذكر الجانب الأميركي أن وجود قاسم سليماني في العراق هو في الإطار ذاته وخرق للعقوبات مثلما هو الحال عندما يسافر لروسيا.
«تمت مناقشة هذا الأمر مع المسؤولين الروس، لكن الخارجية الأميركية لم تتلقَّ ردًا حازمًا من الحكومة الروسية»، كان ذلك تصريح المتحدث باسم الخارجية الأميركية.
يحاول القارئ معي الرجوع بالذاكرة لعل الولايات المتحدة أخذت موقفًا من ذلك. لا وجود لأي موقف.
انقضى عام ونيف على ذلك، وكحال الخطوط الحمراء، لا موقف ملموسًا تجاه خرق قاسم سليماني لحظر السفر. وتكاد تتناسى الذاكرة ذلك..
وفجأة..
المتحدث باسم الخارجية الأميركية يطل علينا من جديد بعد انتشار صور لقاسم سليماني في حلب، ليعلن أن الولايات المتحدة تعتزم الذهاب إلى مجلس الأمن لإثارة قضية وجود قاسم سليماني في مدينة حلب السورية، باعتبار ذلك انتهاكًا للقرارات الدولية.
وماذا عن وجوده المستمر في العراق؟ يتساءل القارئ من جديد.
نعود من جديد هنا للربط بين عنوان المقال وما ذكرناه من تصريح في بداية هذا المقال، فقائله هو وزير الخارجية الأميركي الذي يعلم جيدًا أن حزب الله مدرج في القائمة الأميركية بوصفه تنظيمًا إرهابيًا، لكن منظوره لهذا التنظيم في سوريا أتى وفق اعتبارات أخرى.
فهل المنظور الأميركي لقاسم سليماني سواء في العراق أو سوريا وخرقه لحظر السفر واتخاذ موقف جدي من عدمه يسير وفق ذلك؟
دعوة للتمعن.