تركي الدخيل

 حين أهدى أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد، الملك سلمان، سيف المؤسس الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني، أمر الملك بوضع السيف في قصر الدرعية. والمتابع لاستقبالات خادم الحرمين، للزعماء، والملوك، والقادة، يجد أن للدرعية حضورها بوصفها العاصمة التاريخية، والقصر التاريخي يحاكي جميع قصص توحيد السعودية، ويوثق ملاحم الكفاح، من أجل الوصول إلى السعودية الجديدة.
بالدرعية وفي عام 1745، تم الاتفاق بين الإمام محمد بن عبد الوهاب، والإمام محمد بن سعود، على بدء الدعوة للتوحيد، ونبذ المظاهر البدعية والخرافية. تكوّنت الدرعية، وتشكّلت على مقربةٍ من وادي حنيفة، وحين حوصرت ودمرت من قبل العثمانيين أواخر الدولة السعودية الأولى، لم يكن الخروج النهائي، إذ سرعان ما استعادها مؤسس الدولة السعودية الثانية الإمام تركي بن عبد الله.
تلك بعض ملامح هذه المدينة التاريخية، التي تحتلّ مكانةً خاصة في قلب الملك سلمان بن عبد العزيز، بوصفه حافظًا للتاريخ، وملمًا بجوانبه، ودهاليزه، وتفاصيله، إذ تساءل البعض عن هذه المدينة التي تجوّل بها زعماء، وقادة، ودبلوماسيون، وممن تجوّل بها مؤخرًا وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون.
قبل أسابيع طُبعت ترجمة عربية لكتاب: «نجد قبل الوهابية - الظروف الاجتماعية والسياسية والدينية إبان القرون الثلاثة التي سبقت الحركة الوهابية»، مؤلف الكتاب عويضة بن متيريك الجهني، كتبه بالإنجليزية، وأصله أطروحة لنيل الدكتوراه من جامعة واشنطن سياتل عام 1983.
تضمن الكتاب تاريخًا موضوعيًا واجتماعيًا، لحالة نجد قبل دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب، وقراءة اجتماعية وثقافية، لمدن نجد، وحاضرتها وباديتها.
يرى المؤلف أن «الحركة الوهابية التي أحدثت تغييرات صارمة في عدد من جوانب حياة أهل نجد، ومظاهرها بحلول نهاية القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي، قد أسهمت أيضًا في تنمية عملية كتابة التدوينات التاريخية، وتطويرها في هذه المنطقة، ولقد أصبحت الدرعية التي كانت عاصمة نجد في ذلك الوقت مقر الأسرة الحاكمة، ومركزًا تعليميًا. إن الحركة الوهابية والدولة التي كانت قائمةً عليها، كانت مصدر إلهام لاحترام الذات، واعتزاز الشخص ببلده، ولقيمة التاريخ المحلي بالنسبة إلى النجديين».
حوت الدرعية نموذجًا للواحات الزراعية بأرضٍ جافة، وسميت بالدرعية، بسبب كونها «حصن الدروع»، نسبةً إلى قبيلةٍ سكنت المدينة في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي، وبقيت مسارًا تجاريًا يربط شرق الجزيرة بغربها، وكوّنت فضاءً ممتدًا للتعايش بين القبائل وأهل العلم والتجارة، وجمعت أمشاجًا من الاهتمامات الزراعية والتجارية، بالإضافة لكونها مركزًا سياسيًا مهمًا، ومنطقة سجال علمي، وتداول فقهي، علاوةً على تميز موقعها الجغرافي، الذي أهّلها لتكون عاصمةً سياسية، وثقافية طوال القرنين السابع عشر والثامن عشر للميلاد.
الاهتمام بالمدن التاريخية بما تحويه وتمثله من إرثٍ له دلالة بليغة، ذلك أن العودة إلى الجذور هي جزء من القيم التي تأسست عليها السعودية، والتأكيد على حضور الدرعية يعني ربط المراحل السياسية السعودية بعضها ببعض، وقد أشار الملك سلمان بكلمته في مجلس الشورى إلى الامتداد التاريخي بين الدول السعودية الأولى والثانية والثالثة، هنا يتبين للأجيال ضرورة الوعي التاريخي بالحقب الماضية والبناء عليها، لتشكيل الحاضر المعيش.
هذه هي الدرعية، روح التاريخ، وأثر المعارك، بها التحم المشروع الفكري للإمام محمد بن عبد الوهاب، مع الأفق السياسي للإمام محمد بن سعود، حينها بدأت مسيرة لا نزال نعيش آثارها، ونعلمها. مكانتها الخاصة في قلب الملك سلمان، سببها تاريخها الذي لا ينضب. وإذا استقبل الزعماء بالعاصمة التاريخية، ففي ذلك رسالة فخر تاريخي ورسالة بليغة: السعودية لم تولد منذ بضعة عقود، بل تمتد تاريخيًا إلى أكثر من ثلاثة قرون مضت... هذا ما تقوله لنا الدرعية بأشجارها وبنيانها... وواحاتها.