توتر بين الرباط ونواكشوط والحزب الموريتاني الحاكم يرفض أعذار «الاستقلال» المغربي

بيان «خارجية» المغرب هدأ «زوبعة» تصريحات «شباط» حول «مغربية موريتانيا»

محمود معروف وعبد الله مولود

 تسارعت الاتصالات وعلى اعلى المستويات بين الرباط ونواكشوط، لتطويق تداعيات تصريحات زعيم حزب مغربي اعتبر موريتانيا تاريخياً جزءاً من المغرب، وهي تداعيات ليس فقط على العلاقات بين المغرب وموريتانيا، التي تعرف اصلاً توتراً، بل ايضاً على الوضع الداخلي المغربي ومشاورات تشكيل الحكومة. 

وافادت مصادر رسمية موريتانية ان الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، تلقى امس اتصالاً هاتفيا من العاهل المغربي الملك محمد السادس، وقالت الوكالة الموريتانية للأنباء الرسمية إن الاتصال تطرق «للعلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، وسبل تعزيزها وتطويرها وللتطورات على المستوى الإقليمي والدولي».
ومن المقرر ان يستقبل الرئيس محمد ولد عبد العزيز اليوم الاربعاء في مدينة ازويرات، اقصى الشمال الموريتاني، رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بن كيران، الذي وصل الى موريتانيا امس الثلاثاء موفداً من الملك محمد السادس لتطويق تداعيات تصريحات حميد شباط الامين العام لحزب الاستقلال، المرشح لدخول الحكومة، والتي قال فيها إن «الحدود التاريخية للمغرب تمتد من سبتة حتى نهر السنغال، وأن موريتانيا أراضٍ مغربية» واضاف إن هناك مؤامرة تقودها الجزائر وموريتانيا لإنشاء خط فاصل بين المغرب وإفريقيا.

ردود فعل موريتانية

وأثارت تصريحات شباط احتجاجات واسعة في موريتانيا، ولولا بيان الخارجية المغربية الذي حمل مساء الاثنين اعتذاراً رسمياً مغربياً لموريتانيا وبراءة من تصريحات حميد شباط التي أكد فيها أن موريتانيا جزء من المغرب، لكانت الأزمة التي فجرها شباط والتي لا يزال دخانها مرئياً حتى اليوم، قد أوصلت العلاقات الموريتانية المغربية المتوترة أصلًا، لخط الصدام. 
وذهب حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في موريتانيا في بيان رد فيه الأحد على تصريحات حميد شباط لحد بعيد، حيث أكد «أن المطلع على أبجديات التاريخ يدرك أننا (الموريتانيين) كنا الكل وهم (المغاربة) الجزء؛ وأننا بناة مراكش والمنتصرون في الزلاقة». وأكد المكتب التنفيذي لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية في بيان أصدره الإثنين أنه «أخذ علماً بالبيان الصادر عن حزب الاستقلال واطلع على التصريحات الإعلامية للناطق الرسمي باسمه في وسائل الإعلام حول الموضوع، وهو يسجل رفضه المطلق وتنديده بالتصريحات الصادرة عن الأمين العام لحزب الاستقلال المغربي أيا كان السياق الذي وردت فيه، ويعتبرها طعنة للشعب الموريتاني في صميم كيانه وأعز ما يملك». وأكد حزب الاتحاد «أن بيان حزب الاستقلال وتصريحات الناطق الرسمي باسمه حول الموضوع، لا ترقى إلى مستوى الاعتذار الواضح والمعلن الذي يتناسب مع المضامين السيئة لتصريحات الأمين العام».
وأعلن الحزب «عن قراره بوقف كافة أشكال الاتصال بهذا الحزب ومنظماته الموازية إلى أن يحدد موقفه من المسألة بوضوح ويعتذر للشعب الموريتاني عن مضامين هذه التصريحات».

حزب الاستقلال المغربي

وكان حزب الاستقلال المغربي قد أعلن هو الآخر في بيان رد فيه على المواقف التي أثارتها تصريحات أمينه العام «أنه تابع باستغراب كبير استهداف أمينه العام وكل من الإعلام المغربي والنخب المغربية من خلال البلاغ الذي أصدره حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في موريتانيا، وقامت وكالة الأنباء الموريتانية بتعميمه على مختلف وسائل الاتصال».
وأكد «الاستقلال» المغربي «أن عزل حديث الأمين العام عن سياقه، يوضح أن قيادة الاتحاد من أجل الجمهورية (الحاكم في موريتانيا) واقعة تحت تأثير جهة تتوهم أنها تستطيع تنفيس أزمتها الداخلية باستدعاء الشعور الوطني وتهييجه ضد حزب الاستقلال والمغرب، وذلك لكسب المعارك المقبلة من قبيل التعديل الدستوري والانتخابات النيابية والبلدية السابقة لأوانها والتهييء المبكر للانتخابات الرئاسية».
وأضاف «أن بلاغ الحزب الحاكم في موريتانيا، كشف أنه يسير بالعلاقات المغربية الموريتانية إلى مرحلة توتر شديدة، وقد سبق لحزب الاستقلال أن عبر القنوات الخاصة، عن تذمره لرد الفعل المبالغ فيه والمستفز للمغرب بمناسبة وفاة زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية، وقد قدرت قيادة حزب الاستقلال في تلك الفترة تنبيه حزب الاتحاد من أجل الجمهورية إلى مخاطر تلك السلوكيات على العلاقات الثنائية.. وقد تأكد اليوم وما عرفته الشهور الأخيرة، أن الموقف الرسمي الموريتاني لا يعد أن يكون رجع صدى، لسياسة الجزائر في المنطقة، وأن موريتانيا الرسمية تخلت عن حيادها فيما يتعلق بالوضع في الصحراء المغربية، وقبلت أن تلعب دور المناولة للجزائر».
وشددت وزارة الخارجية المغربية على «أن المملكة تحدوها رغبة صادقة في تطوير علاقاتها مع موريتانيا، والرقي بها إلى مستوى شراكة استراتيجية قائمة على الأواصر التاريخية القوية بين الشعبين، والثقة والاحترام المتبادلين».
وقد لاقى بيان الخارجية المغربية ارتياحاً كبيراً في الأوساط السياسية الموريتانية، حيث أكد منتدى المعارضة الموريتانية «ارتياحه لمحتوى البيان وللمواقف المبدئية والأخوية التي عبر عنها، والتي هي المواقف المنتظرة من المملكة المغربية الشقيقة والتي تمليها العلاقات والروابط المتعددة الأبعاد التي تجمع بين الشعبين والبلدين الشقيقين».
وجددت المعارضة الموريتانية دعوتها «للجميع لجعل العلاقات الأخوية بين الشعبين الشقيقين الموريتاني والمغربي فوق كل التجاذبات الظرفية والحسابات الضيقة».

جبهة البوليساريو

ولم تترك جبهة البوليساريو هذه المناسبة تمر دون أن تسجل فيها موقفها حيث نددت بالتصريحات التي وصفتها بـ»الاستفزازية» التي أدلى بها حميد شباط مؤخراً ، مؤكدة «أنه لا يمكن فصلها عن توجه مغربي رسمي «خطير» يرمي إلى التصعيد وخلق التوتر والاحتقان في كامل المنطقة».

مدونون

وبعد أن دخل المدونون الموريتانيون في خضم حملات تهجم على المغرب، جاء بيان الخارجية المغربية ليهدئهم حيث أوقفوا تدوينات الهجوم.
ولخص المدون البارز الشيخ معاذ سيدي عبد الله موقف التدوين الموريتاني من هذه الأزمة في قوله «مهم جداً أن تعي بلدان المنطقة ضرورة احترام بعضها لبعض .. وهنا يجب تثمين وتقدير بيان الخارجية المغربية تجاه موريتانيا .. فهو بيان يسعدنا نحن المواطنين البسطاء ولكنه بالنسبة للخارجية المغربية ضربة عصفورين بحجر واحد».
وقال «ومهما يكن، ورغم ما سيخلفه هذا البيان من تأثير إيجابي أو سلبي، فهو ليس دليلاً على عدم وجود مشكلة متفاقمة بين الرباط ونواكشوط ..فهناك أزمة بالفعل .. قد لا تكون أزمة سيادة ولكنها – قطعاً- أزمة سياسية، ولا مانع من أن تغطي شجرتها غابات أكبر، يُسمع فيها حفيف الاقتصاد أيضاً».

تاريخ من التوتر

وتشهد العلاقات بين المغرب وموريتانيا توتراً سياسياً منذ سنوات، كان من بين نتائجه أن الحكومة الموريتانية لم تعين سفيراً جديداً في المغرب بعد تقاعد السفير السابق محمد ولد معاوية سنة 2012، حيث أرجع مراقبون الأمر إلى توتر غير معلن في العلاقات بين البلدين، في ظل غياب مبررات أخرى وبدأ توتر العلاقات بين البلدين الجارين في الظهور إلى العلن منذ قيام نواكشوط سنة 2011 بطرد مدير وكالة المغرب العربِي للأنباء من البلاد، وأمهلته 24 ساعة لمغادرة أراضيها، وهو القرار الذي اعتبره المغرب آنذاك، غير ملائم.
كما اتهمت الأوساط الموريتانية مشاركة المغرب في محاولة اغتيال تعرض لها 2013 الرئيس محمد ولد عبد العزيز الا ان توترا عرفته العلاقات منذ نهاية 2015 حين قامت موريتانيا برفع علمها فوق مباني مدينة الكويرة التي يعتبرها المغرب جزءا من ترابه وتصاعد هذا التوتر بعد اتهامات وجهتها الأوساط المغربية للحكومة الموريتانية بنزوعها في نزاع الصحراء من الحياد الى دعم مواقف جبهة البوليساريو.
واشارت الأوساط المغربية الى تسهيل سلطات نواكشوط لتنقل دوريات عسكرية لجبهة البوليساريو في منطقة الكركرات بعد قيام المغرب بتطهير المنطقة الواقعة خارج الجدار الامني من المهربين وتجار االمخدرات وتعبيد الطريق الرابط بين نقطتي الحدود الموريتانية والمغربية.
وجاءت تصريحات شباط ضد الحكومة الموريتانية في سياق هذه التوتر، وفي ظل حملة اعلامية عنيفة تشنها وسائل الاعلام المغربية ضد نواكشوط. 
وكشفت مصادر إعلامية موريتانية أن قيادة أركان الجيش اتخذت قراراً بنقل شبكة الاتصالات المغلقة الخاصة بها، من الشركة الموريتانية المغربية للاتصالات «موريتل» التي تملك شركة «اتصالات المغرب» 54 في المائة من رأسمالها، إلى الشركة الموريتانية السودانية للاتصالات «شنقيتل» وذلك ابتداء من يوم الاحد المقبل.
وأكدت وكالة الاخبار الموريتانية أن هذا القرار اتخذ قبل فترة «ويدخل على ما يبدو ضمن تصعيد سياسي متبادل بين موريتانيا والمغرب» وتوقعت في تقرير آخر أن موريتانيا ستفتح في العاصمة نواكشوط سفارة لـ«الجمهورية الصحراوية» إذا ما استمر المغرب في «استفزازات إعلامية وسياسية»، مشيراً إلى أنه «لا يوجد مانع قانوني لدى موريتانيا من فتح هذه السفارة».
ونقلت عن مسؤول دبلوماسي بأن بلاده تعترف بالجمهورية الصحراوية منذ الثمانينيات، وبأن «عدم فتح سفارة للصحراويين في موريتانيا كان احتراما لمشاعر المغاربة لكن استمرار الاستفزازات قد يدفعنا إلى فتح تلك السفارة ليصبح علم الجمهورية الصحراوية يرفرف في نواكشوط».
واتهم المصدر نفسة المغرب بكونه «يقوم باستفزازات دبلوماسية خطيرة لموريتانيا لا يعلمها أحد»، مشيرا الى «زيارات الملك محمد السادس، وبالتعاطي الدبلوماسي مع موريتانيا بشأن المؤتمرات الدولية المنظمة في المملكة، ومن بينها الإبلاغ المتأخر والمهين بالمؤتمرات والنشاطات الدولية».
وأضاف أن «موريتانيا لم تبدأ بالاستفزاز، ولم ترد التصعيد مع المغرب، وصمتت كثيرا عن كل الاستفزازات، وعن الحملة المنظمة في الإعلام ومن الساسة المغاربة، لكن يبدو أن هناك في المغرب من يدفع إلى التصعيد»، مؤكداً أن بلده «دولة مستقلة لا تبيع مواقفها».

بن كيران

في ظل هذه الأجواء، يحاول عبد الاله بن كيران اثناء لقائه الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، اليوم، تطويق تداعيات تصريحات حميد شباط، لكن الاصعب هو كيفية تطويقها داخلياً بعد ان اتخذت ذريعة لتصفية الحسابات مع شباط وحزب الاستقلال عقوبة له على دعمه لبن كيران وتأكيده مشاركته بالحكومة المزمع تشكيلها، وتعرف مأزقاً لاشتراط التجمع الوطني للاحرار، لمشاركته بالحكومة، استبعاد حزب الاستقلال (46 مقعداً). ويعرف بن كيران الاهمية السياسية لمشاركة الاحرار وزعيمه الجديد عزيز اخنوش، رغم عدد المقاعد التي حصل عليها (37 مقعدا) ويضمن بن كيران اغلبية برلمانية بدون الاحرار، لكنه لن يضمن اغلبية سياسية «يرضى» عنها بدون الاحرار، وفي الوقت نفسه بقي وفياً لحزب الاستقلال وتمسكه بإشراكه بحكومته.
لذلك عرفت مشاورات تشكيل الحكومة مأزقاً رغم مرور اكثر من 80 يوماً على الانتخابات وتكليف بن كيران بتشكيل الحكومة وجاءت يوم السبت الماضي اشارة ايجابية لحل المأزق اذ اوفد الملك محمد السادس اثنين من مستشاريه، عبد اللطيف المنوني وعمر القباج الى «رئيس الحكومة المعين» وابلاغاه حرص الملك محمد السادس على تشكيل الحكومة الجديدة في أقرب الآجال وانتظاراته وكافة المغاربة بشأن تشكيل الحكومة الجديدة.