أردوغان ينتقم من أوباما…

إسماعيل جمال

تتسارع مساعي تركيا وروسيا للتوصل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار تمهيداً للبدء بمحادثات تسعى للتوصل إلى حل نهائي للأزمة في سوريا وذلك في ظل تهميش كامل للدور الأمريكي، حيث لم ينضم أي مسؤول من إدارة أوباما للمباحثات التي تجري بشكل ثنائي بين موسكو وأنقرة، وبمشاركة إيرانية في بعض الأحيان.

وبينما يرى مراقبون أن تهميش الدور الأمريكي يعبر عن رغبة روسية تركية مشتركة، يشكك آخرون في إمكانية التوصل أو القدرة على تنفيذ أي اتفاق حل نهائي في سوريا دون أن تكون الإدارة الأمريكية جزءاً هاماً منه، لافتين إلى عدم إمكانية رضوخ واشنطن لهذه المخططات.
وتراجعت العلاقات التركية الأمريكية بشكل غير مسبوق خلال الأشهر الأخيرة في ظل اتهام أنقرة لواشنطن بتجاهل مصالحها في سوريا والعراق ورفض تقديم الدعم لقواتها التي تحارب في سوريا، إلى جانب رفض إدارة أوباما تسليم فتح الله غولن المتهم بقيادة محاولة الانقلاب الفاشلة في الخامس عشر من تموز/ يوليو الماضي.
والثلاثاء، وصل هجوم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الإدارة الأمريكية إلى ذروته مع اتهامه التحالف الدولي التي تقوده واشنطن بتقديم الدعم إلى تنظيم الدولة الإسلامية، وقال: «التحالف الدولي يدعم تنظيمات إرهابية بسوريا وعلى رأسها داعش، ولدينا أدلة على ذلك»، لافتاً إلى أن التحالف تخلى عن تركيا ويرفض حتى الآن تقديم الدعم لها في حربها ضد التنظيم.
لكن وزارة الخارجية الأمريكي رفضت هذه الاتهامات ووصفتها بـ»المضحكة ولا أساس لها من الصحة».
ومنذ أسابيع تجري تركيا وروسيا مباحثات ثنائية حول الملف السوري، نجحت قبل أيام في التوصل لاتفاق جزئي لوقف إطلاق النار في بعض أحياء حلب وإخراج المدنيين والمقاتلين التي حاصرتهم قوات الأسد والمليشيات في آخر الأحياء الشرقية ومنذ ذلك الوقت تجري مباحثات مستمرة بين ممثلين عن المعارضة السورية مع مسؤولين روس وأتراك في العاصمة أنقرة بالتزامن مع اتصالات يومية بين كبار المسؤولين من البلدين على رأسهما أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين.
والأربعاء، أسفرت هذه الاتصالات عن التوصل إلى اتفاق نهائي بين موسكو وأنقرة على صيغة مشتركة لاتفاق وقف إطلاق نار شامل في كافة الأراضي السورية سيتم عرضه على الأطراف السورية وفي حال نجاحه سيتم الانتقال مباشرة إلى مفاوضات سياسية في محاولة للتوصل لحل نهائي للازمة في العاصمة الكازاخستانية «أستانة»، وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن اتفاق وقف إطلاق النار يمكن أن يدخل حيز التنفيذ في أي وقت.
هذا الاتفاق لن يُعرض على الإدارة الأمريكية حسب ما نقلت وكالة الأناضول التي قالت في خبرها الرسمي إن «الاتفاق سيعرض على الأطراف السورية المعنية»، ويتوقع أن تنضم إيران إلى هذه المباحثات، بينما طلبت تركيا انضمام قطر والسعودية، في حين لم تشر أي أنباء إلى احتمال ضم الإدارة الأمريكية لهذه المساعي.
وبينما تزود موسكو طهران بطبيعة المحادثات الحالية حول سوريا، هاتف وزير الخارجية التركية المسؤولين السعوديين وزار قطر لتزويدهم بما تم التوصل إليه، في ظل غياب تام للإدارة الأمريكية وبريطانيا والاتحاد الأوروبي وممثل الأمم المتحدة. وفيما يشبه «رفع العتب» يزود وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو نظيره الأمريكي جون كيري، هاتفياً، بإيجاز عن أبرز النتائج التي توصلت إليها المباحثات الروسية التركية. في مقال تحت عنوان «لماذا غابت أمريكا عن طاولة الحوار»، قالت الكاتبة التركية في صحيفة ستار «حليمة غوكتشه»: «كما نلاحظ غياب أمريكا عن طاولة الحوار السياسي وهذا يعني غياب الضامن لكانتونات تنظيم حزب الاتحاد الديمقراطي، أما بالنسبة للمعارضة السورية المسلحة فهي المخاطب حاليا لأنها تدعو إلى وحدة واستقلال سورية، ويشير عدم الحضور الأمريكي في الاجتماع الذي سيعقد في الأستانة على تهميش وإقصاء الدور الأمريكي تماما». وتابعت غوكتشه بالقول: «ترى تركيا بأن أمريكا لم تدعمها في مواجهة تنظيمي حزب العمال الكردستاني وغولن بل حاربتها بهما، علاوة على أن سياسة أمريكا في سوريا مرتبطة ارتباطا وثيقا بحزب البي كي كي، بل وإنها ساهمت في تحويل عصيان الشارع السوري إلى حرب أهلية بنسبة مئة في المئة».
الكاتب التركي «أوكان مؤذن أوغلو» وفي مقال له بصحيفة «صباح» وصف العلاقات التركية الأمريكية بأنها تمر بمرحلة «اختبارات صعبة، فالعلاقات الثنائية بين البلدين تدخل مرحلة إشكالية كما لم تكن منذ أن انضمت تركيا إلى حلف الشمال الأطلسي في عام 19522»، لافتاً إلى أن سبب ذلك يعود إلى «غض أوباما طرفه عن استخدام النظام السوري الكيماوي، وإفلاس برنامجه التدريبي والتجهيزي، وتعاونه مع حزب الاتحاد الديمقراطي بحجة محاربة داعش، وإعراضه عن المطالب بإقامة منطقة خالية من الإرهاب».
ولفت الكاتب إلى أن «الخلافات والتوترات الأمريكية التركية كانت في السابق على صعيد الدولتين، أو الجيشين أو على صعيد الدبلوماسيين، إلا أنّه مؤخرا وصلت أبعاد الخلافات إلى الشعب، الذي عبّر عن موقفه من خلال الدولة والسياسيين الأتراك».
واعتبر الكاتب في صحيفة صباح التركية المقربة من الحكومة «برهان الدين دوران» أن «الأمر الملفت للانتباه في الإعلان (الأستانة) هو ترك الولايات المتحدة الأمريكية خارج الدائرة»، وقال: «ينبغي التذكير دائماً بأن إدارة أوباما هي من تنازلت عن سوريا لصالح الهيمنة الروسية. إضافة إلى مماطلة أوباما الذي يتوقع إنهاك موسكو مع انتشار «التطرف»، لتركيا مدة طويلة في كلا الموضوعين مثل التخلي عن دعم المعارضة؛ بل والتضييق عليها».
ولفت إلى أن الغضب التركي من أمريكا بسبب «التأجيل المستمر لإقامة المنطقة الآمنة والتخلي عن تركيا لتواجه روسيا وحدها خلال أزمة الطائرة، وتقديم الدعم «الهادئ» لإيران والميليشيات الشيعية، والدعم «الفعال لحزب الاتحاد الديمقراطي»، معتبراً أن «الضرورة الجيوسياسية فتحت المجال أمام حقبة جديدة أدت إلى اتفاق تركيا مع روسيا وإضعاف الدور الإقليمي للولايات المتحدة الأمريكية».
لكن الكاتب التركي شدد على أنه «مما لا شك فيه أن احتمال قبول الولايات المتحدة الأمريكية بفقدان دورها في الشرق الأوسط غير وارد. وفي هذه الحالة ستلجأ إدارة ترامب لإيجاد سياسة إقليمية «بناءة» من أجل استعادة حلفائها مثل تركيا وتحقيق التوازن مع روسيا في المنطقة».
«تونجا بنغن» كتبت في صحيفة «ملييت»: «لم تكن الولايات المتحدة تستسيغ اجتماع موسكو، لا من حيث الصورة التي خرج بها، ولا من حيث النتائج. امتعاض أمريكا سببه يعود إلى أن الجميع كان ينظر على أن حل الأزمة السورية بيد أمريكا وروسيا، فمن خلال الاجتماع ظهرت أمريكا وكأنها أُسقطت من المعادلة».
واعتبرت الكاتبة التركية المعروفة أن «أمريكا كانت تهدف إلى تقسيم سوريا، من خلال إيصال حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات الحماية الشعبية إلى تخوم البحر الأبيض المتوسط، إلا أنّه من أبرز النتائج التي خرج بها الاجتماع الثلاثي هو الحفاظ على وحدة الأراضي السورية».
وختمت بالقول: «التحرك المشترك للدول الثلاثة «روسيا، إيران، تركيا، والتقارب الروسي التركي، من الممكن أن يقودا أمريكا إلى قلق وعدم ارتياح ومن المحتمل أن تكون تركيا هي الوجهة الأولى لترامب بعيد جلوسه على كرسي الرئاسة، وأن يعطي الضوء الأخضر فيما يخص إعادة فتح الله غولن زعيم الكيان الموازي».
ورأت الكاتبة التركية «أمل بارلار دال» أن «عدم رغبة أمريكا في العمل وسيطا للسلام في سوريا أتاحت لروسيا القيام بدور قيادي في الأزمة، وتعزيز قدرتها على المناورة على الأرض»، مضيفةً: «ونظرا للغموض الذي يكتنف سياسة الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب المحتملة في سوريا، يبدو من المرجح أن الجهات الإقليمية الفاعلة سيكون لديها المجال لتولي أدوار إضافية أسهل في التعامل مع الأزمة في الأشهر المقبلة».
وقالت في مقال لها: «أثبتت حادثة اغتيال السفير أن روسيا وتركيا، إلى جانب إيران، تحتاجان إلى تشكيل بيئة ما بعد الحرب السورية في منطقة الشرق الأوسط.. إن وجود تركيا في هذا التحالف المؤقت يدل على الإخفاق التام للفاعلين الغربيين في سوريا، ويقدم أدلة على كيفية تشكيل النظام الجديد في الشرق الأوسط في المستقبل».