محمد الساعد

في عشية مساء يوم الأحد 17 أبريل 2016، رن الهاتف الجوال في جيب وزير النفط السعودي خالد الفالح، كان على الجانب الآخر من الخط مسؤول سعودي رفيع، يطالبه بعدم إكمال المفاوضات عديمة الجدوى مع مصدري النفط في الدوحة، تلك المفاوضات التي لم تزد بعض المنتجين إلا تعنتا، جاءت المكالمة بعد مباحثات مرثونية صعبة، خاضها الفالح وفريقه مع وزراء نفط الأوبك.

كانت فرصة نادرة في ليل 2016 الاقتصادي السيئ، الاقتصاديون والمستشارون السعوديون كانوا يرون أنها كانت لحظة ضوء جيدة يمكن البناء عليها، وتحسين الظروف المالية التي تواجهها خزينة الدولة، ولمعرفتهم بالأوضاع الاقتصادية الصعبة التي مرت بها أسواق النفط، التي انعكست سلبا على الدول المصدرة ومنها السعودية.

يصف «المصدر» السعودي، الذي حضر إدارة المفاوضات الصعبة في الرياض، لقد كانت ساعات طويلة من شد وجذب تتطلب دهاء وصبرا لا ينتهي، تخللها عدد كبير من المكالمات مع الفريق السعودي في الدوحة، والعودة لصالة الاجتماع، ثم الخروج والعودة إليها، إنها مسألة استنزاف أعصاب، فالجميع كان يرغب في الوصول لاتفاق يساعد السوق والمنتجين.

المصدر كان من ضمن فريق المستشارين الذين ضموا أصواتهم للوزير الفالح، لكي تمضي المملكة قدما وتوقع على الاتفاق، محتجين بأن شيئا أحسن من لا شيء، ما عدا المسؤول السعودي الرفيع، الذي رأى وسط كم الإحباطات، أن العودة إلى نقطة الصفر أجدى من اتفاق مجحف، لا يحقق الحد الأدنى من المصالح السعودية، بل ولا يحتوي على أية ضمانات، بأن المنتجين من خارج الأوبك لن يخرقوا الاتفاق، ويستولوا على حصص المنتجين، وبالتالي لا يتعافى السوق، ونعود بعدها لأسوأ مما كنا عليه.

فورا خاض المسؤول السعودي الرفيع مباحثات سرية مع الروس، أكبر المنتجين الذين ضمنوا بدورهم وبعد أشهر أخرى من المفاوضات عالية المستوى، صفقة أكثر جدوى للسعودية، وبشروط محسنة جدا، وبضمانات تجمع الدول من خارج رابطة المنتجين للاتفاق.

هذا ما حدث فعلا عندما توصلت الدول المصدرة للنفط في اجتماعها بالجزائر نهاية شهر سبتمبر الماضي، إلى اتفاق على تخفيض إنتاج النفط لمستوى يتراوح بين 32.5 و33 مليون برميل يوميا، الأمر الذي أدى إلى تشافي السوق بشكل فوري، ورفع الأسعار إلى ما فوق الـ 50، بعدما لامست في بدايات العام 2016 قاع الـ 25 دولارا.

أين تكمن أهمية ذلك الاتفاق التاريخي؟

من عايش أزمة سوق النفط 2015 – 2016، وتأثيراتها القاسية على الدول المصدرة، بل وحتى أزمات النفط السابقة على مدى الـ 50 السنة الماضية، يدرك أن الوصول إلى اتفاق بين الدول المصدرة التي تتقاسم لقمة عيشها من ذلك السائل الأسود، هو أمر في غاية الصعوبة، فعدوك هو ابن كارك كما يقول المثل الشعبي.

لذلك فإن الوصول إلى أسعار ما فوق الـ 50، لم تكن حلما فقط بل معجزة، نتيجة للعلاقات السياسية السيئة بين بعض الدول المنتجة، وصعوبة التفاوض المباشر بينها، إضافة إلى عدم وجود الحد الأدنى من الثقة، خاصة في الإيرانيين، الذين كانوا دائما ما يرفعون سقف التفاوض، أو أنهم يستخدمون أسلوب التفاوض طويل المدى، الذي لم يكن لينجح مع سوق نفط وصلت لمرحلة الموت السريري.

الميزانية السعودية في نظري هي الكاسب الأكبر من تحسن النفط، فهي أعطت باني الميزانية ظرفا ممتازا لبناء تقديرات متفائلة للتدفقات النقدية، مع أسعار فوق الـ 50 دولارا، وإمكانية تحسن الأسعار على مدى العام، وهو ما يعني زيادة الإيرادات، وتخفيف العبء على إجراءات ترشيد الإنفاق والتقشف والاستدانة، ومراجعة التعاقدات، الأمر الذي سيوفر نفسا إضافية لصالح ميزانية الدولة، ستظهر نتائجها الإيجابية بدءا من الربع الأول للعام القادم 2017.

نحن اليوم على أعتاب أبواب سنة مالية أقل قسوة من سابقتها، وأكثر تفاؤلا، مع تحسن الإيرادات النفطية، ووعود بعدم زيادة الرسوم، وعدم فرض ضرائب على الدخل والأرباح، والعودة الجزئية لبناء المشاريع، هو ما يعطي رسالة اطمئنان واضحة لصناع السوق من أصحاب الأعمال، تساعدهم في رسم خارطة عمل لغاية 2020 بدون أي مفاجآت.