وليد محمود عبدالناصر

إذ نودع هذه الأيام عاماً ينقضي ونستعد لاستقبال عام جديد، هناك الكثير في ما يتعلق بأحداث جرت وتطورات حدثت وتفاعلات دارت خلال العام المنصرم. وإذا أردنا أن نستعرض أمثلة على ما هو جديد على الصعيد العالمي في عام 2016، نجد اختراقين نوعيين كان منبعهما الإدارة الأميركية التي تستعد للرحيل، ونعني زيارة الرئيس باراك أوباما الى هافانا التي توجَّت عدداً من التطورات المهمة باتجاه تطبيع العلاقات الأميركية - الكوبية، والاتفاق النووي مع إيران لضمان عدم وصولها إلى القدرة على إنتاج السلاح النووي مع ضمان حقها في تطوير الطاقة النووية لأغراض سلمية. 

لكن هناك علامات استفهام كثيرة في شأن مصير هذين الاتفاقين في ضوء فوز دونالد ترامب بالرئاسة وما بدر منه من إشارات سلبية تجاه التطورين، وفي ظل ما أعلنته مصادر أميركية من أن الاتفاق النووي الإيراني والتفاهم مع هافانا ليس لأي منهما طابع إلزامي.

وإذا انتقلنا إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فنجد أنه ألقى بظلاله ليس فقط على مستقبل المملكة المتحدة، بل أيضاً على مستقبل أوروبا في ظل انطلاق دعوات مماثلة في دول أوروبية أخرى لها وزنها قارياً وغربياً وعالمياً، مثل فرنسا وهولندا وغيرهما، وارتباط ذلك بتصاعد في قوة تيارات اليمين المتشدد في بعض تلك الدول. 

ويقع أيضاً ضمن مفاجآت 2016 فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية، على رغم أن غالبية التوقعات رشحت فوز منافسته هيلاري كلينتون، وما ألقته هذه النتيجة من ظلال على الكثير من الأوضاع الداخلية الأميركية والكثير من الترتيبات والقضايا والمسائل الإقليمية والدولية التي تلعب واشنطن عادة دوراً مؤثراً فيها. 

وإذا انتقلنا إلى تناول ما استمر في العام 2016 من أحداث وتفاعلات كانت قد بدأت قبله في أعوام سابقة، فنجد على سبيل المثال عودة قوى اليمين بقوة في عدد من بلدان أميركا اللاتينية، وهي ظاهرة بدأت بواكيرها منذ عامين، وربما أكثر، من خلال ضغوط متصاعدة على الرئيس نيكولاس مادورو، خليفة الرئيس اليساري الراحل هوغو تشافيز في فنزويلا، لدفعه للتخلي عن الحكم، خصوصاً بعد فوز خصومه بالغالبية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وكذلك عبر بدء الحملة الساعية إلى إقصاء رئيسة البرازيل المنتمية إلى اليسار ديلما روسيف، والتي انتهت بالنجاح في أيار (مايو) الماضي، وأيضاً من خلال استمرار تصاعد قوة اليمين في الأرجنتين، بعد عام من هزيمة مرشح اليسار أمام مرشح محافظ في انتخابات جاءت بعد منع الرئيسة السابقة كريستينا فيرنانديز دي كيرشنر من الترشح لفترة رئاسية جديدة بسبب ما ذكر عن علاقتها بوفاة محقق خاص كان يتولى التحقيق في حادث تفجير مركز يهودي في بوينس أيريس عام 1994. 

أما المسألة الثانية ضمن قائمة القضايا المستمرة، والتي تستحق أن نطلق عليها المتفاقمة خلال عام 2016، مقارنة بما سبقه من أعوام، فهي في واقع الأمر قضيتان شديدتا الصلة ببعضهما بعضاً، وهما اللجوء من جهة والهجرة من جانب آخر. كما أنهما، وإن كانتا تتصفان بالعالمية، فإنهما باتتا تهمان منطقتنا العربية في شكل أكثر إلحاحاً عما قبل. 

فقد شهد عام 2016 تصاعداً في السعي إلى الهجرة و/أو اللجوء إلى بلدان داخل وخارج الوطن العربي، خصوصاً من مواطني البلدان التي تتعرض لأوضاع داخلية عاصفة، بما في ذلك اللجوء إلى القارة الأوروبية أو أميركا الشمالية، بحيث صارت المنطقة العربية هي الحالة الأكثر كثافة وعدداً من جهة اللاجئين إلى خارج دولها، سواء إلى دول أخرى داخل المنطقة أو حتى خارجها، كما أصبحت هي المنطقة الأكثر تصديراً للساعين إلى الهجرة، سواء الشرعية أو غير الشرعية، خارج الحدود، بل خارج الإقليم ككل، وكانت، ولا تزال، الحالة الأبرز في هذا الخصوص بالطبع هي قضية اللاجئين السوريين. 

وفي ما يتعلق بالموضوعات والقضايا المدرجة ضمن الفئة التي لا تزال «مؤجلة» ولم تشهد أي حسم في العام 2016، كما لم تشهده في أعوام سابقة، فنتناول، وأسوة بما سبق من فئات الموضوعات والقضايا المختلفة، مسألتين أيضاً، إحداهما عامة تخص المنطقة العربية، ونعني بها القضايا العالقة، سواء القضية الفلسطينية التي تكمل العام المقبل مئويتها الأولى إذا أرَّخنا لها بصدور وعد بلفور البريطاني عام 1917، أو الأوضاع في العراق، سواء أرَّخنا لبدايتها بنظام العقوبات الدولي الذي أعقب الغزو العراقي للكويت في آب (أغسطس) 1990 أو بغزو الولايات المتحدة وحلفائها في عام 2003، أو القضايا التي ارتبطت زمنياً، ومن وجهة نظر البعض موضوعياً، باندلاع ما يسمى «الربيع العربي» في نهايات عام 2010 وفي الشهور الأولى لعام 2011، ونقصد هنا على سبيل التحديد الأوضاع في سورية وليبيا واليمن. 

ففي كل هذه الحالات مرَّ عام 2016 من دون أن يشهد حلاً أو حسماً، حتى وإن مالت الدفة في هذا الصراع إلى هذا الطرف أو مالت في الصراع الآخر إلى ذاك الطرف فتبقى الأوضاع معلقة، وتبقى كلها شديدة الارتباط، بل والارتهان، بالمواجهة مع أخطار التطرف والتعصب والتشدد والإرهاب، مع انعكاسات ذلك ليس فقط داخل الوطن العربي بل وخارجه، وعلى العلاقات بين العرب والمسلمين وغيرهم، داخل حدود عالمهم العربي أو الإسلامي أو خارجها. 

أما المثال الثاني للمسائل المعلقة والمؤجلة بلا حسم أو تسوية، فهي الأوضاع في شبه الجزيرة الكورية، وتحديداً التوتر المستمر حول موضوع الإمكانات النووية لكوريا الشمالية، وما يرتبط بها من قدرات لتلك الدولة في مختلف مجالات أسلحة الدمار الشامل، وكذلك من اتهامها بأنها دولة خارجة عن الأعراف الدولية، سواء في مجال السلاح النووي، كما هي حالة انسحابها من جانب واحد من معاهدة حظر الانتشار النووي، أو في مجال احترام حقوق الإنسان، وكل ذلك وفق دفوع الدول المناوئة للحكم في بيونغ يانغ. 

بينما الأمر يرتبط أيضاً بتوازنات دقيقة ومعادلات شديدة الحساسية، بعضها تاريخي وبعضها الآخر جيو إستراتيجي وبعضها الثالث اقتصادي، سواء في شرق آسيا على وجه الخصوص أو في آسيا والمحيط الهادئ، بل وفي العالم بأسره.

حاولنا أن نعرض هنا موضوعات وقضايا استجدت في عام 2016 ونحن على أعتاب توديعه، أو فاجأت العالم خلال العام، أو استمرت، أو حتى تفاقمت، من أعوام سابقة، وفشل العالم في التوصل إلى حلول حاسمة أو تسويات نهائية في شأنها، مع الحرص على إعطاء الأمثلة غير الحصرية هنا وهناك للدلالة على الطبيعة المتنوعة لكل من تلك الفئات المختلفة من الموضوعات والقضايا.


* كاتب مصري