إبراهيم البحراوي

غابت القضية الفلسطينية عن المشهد الإعلامي في العالم وعن أعين الرأي العام العالمي لمدة خمس سنوات منذ بداية الربيع الأسود الذي حط على وطننا العربي. 

في تلك السنوات انشغل العالم بأخبار الصراعات الدامية في سوريا وليبيا واليمن والعراق، في حين انفرد اليمين الإسرائيلي المتطرف بفريسته، ليعمل أنيابه بالتمزيق والنهش في أرض الضفة الغربية وبالقمع الوحشي للشعب الفلسطينى. 

جاء مساء يوم الجمعة الماضي بأنوار مسلطة من جميع شبكات التلفزيون العالمية باللغات الأوربية على قاعة مجلس الأمن لمتابعة التصويت على مشروع القرار الذي أعدته المجموعة العربية مع السلطة الفلسطينية لإدانة الاستيطان وتجريمه قانونياً، وقامت أربع دول غير عربية بتقديمه برعاية دول الخليج ودعمها. 

بهذا عادت القضية العربية الأولى إلى صدارة المشهد السياسي الدولي لتشغل أصحاب الضمير في العالم. لا بد هنا من تقديم التحية الواجبة للبطل الذي مكن مشروع القرار من المرور والتحول إلى قرار نافذ المفعول بمجلس الأمن على عكس جميع المشروعات التي قدمت على مر السنوات الماضية وأجهضها الفيتو الأميركي. 

إن الرئيس باراك أوباما قد انسجم مع رؤيته لمصالح الأمن القومي الأميركي التي تستوجب تحقيق حل للصراع العربي الإسرائيلي يقوم على رؤية الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية اللتين تعيشان جنباً إلى جنب في سلام. ذلك أن هذا الحل يحقق للإسرائيليين الأمن على المدى البعيد نتيجة لإرضاء التطلعات الوطنية للشعب الفلسطيني وإنهاء إحباطاته التي تدفعه لمقاومة الاحتلال وتثير مشاعر الظلم القومي لدى الشباب العربي وتمثل أحد الدوافع الرئيسية لظاهرة الإرهاب. 

في تقديري أن الخطوة الأمينة والشجاعة التي أقدم عليها الرئيس أوباما عندما امتنع عن استخدام الفيتو لن تمحى آثارها بسهولة مع رحيله عن السلطة في شهر يناير وحلول الرئيس ترامب مكانه. صحيح أن ترامب حاول منع التصويت وسحب المشروع، لكن من المهم أن نلاحظ أن مشهد الإجماع الدولي على القرار سيثير في ذهنه أسئلة تنبهه إلى أن انحيازه المعلن للاستيطان الإسرائيلي والذي دفعه لتعيين سفير له في إسرائيل معروف بانحيازه لمعسكر اليمين الإسرائيلي وأطماعه هو خيار يضر بإسرائيل. 

أعتقد أن مشهد مجلس الأمن سيحدث تحولاً في وعي ترامب السياسي يساعده على إدراك خطورة استمرار الصراع العربي الإسرائيلي على المصالح الأميركية والأمن الإسرائيلي وبالتالي سيدفعه للبحث عن تسوية شاملة للصراع. 

إن المؤشر الأولي على ذلك هو تلك التغريدة التي كتبها ترامب في اليوم التالي للتصويت والتي أنقلها عن صحيفة إسرائيلية هي «تايمز أوف إسرائيل»، وقال فيها: «إن الخسارة الكبيرة أمس لإسرائيل في ألأمم المتحدة ستجعل مفاوضات السلام أكثر صعوبة، وهذا أمر مؤسف لكننا سنتوصل للسلام على أي حال». 

والمعنى الجوهري لهذه التغريدة هو أن مشهد الإجماع الدولي في مجلس الأمن على رفض الاستيطان وتجريمه قانونياً، واعتباره عقبة أمام حل الدولتين والسلام، قد مس وعى ترامب الذي لا شك تابع المشهد على شاشة «سي أن أن» كما تابعناه، فحول اهتمامه بأمن إسرائيل إلى المرور عبر قناة حل الصراع وإقرار السلام وليس تشجيع إسرائيل على انتهاك الحقوق الفلسطينية وإثارة غضب العالم العربي. 

يؤكد هذا التحول من وجهة نظري تلك التسريبات التي نشرها موقع «دبكا» الإسرائيلي المقرب من دوائر المخابرات، نقلاً عن مصادره في واشنطن، من أن ترامب يفكر في إطلاق مشروع للسلام يقوم على إقامة اتحاد كونفدرالي بين الدولة الفلسطينية والمملكة الأردنية يؤدي إلى تسوية شاملة للصراع. إن هذه التسريبات تؤرق أوساط اليمين الإسرائيلي التي سبق وأعلنت مع فوز ترامب أن حل الدولتين قد تم دفنه. إذا أضفنا إلى هذا الأثر تلك الصحوة التي أحدثها القرار في المعارضة الإسرائيلية لنتنياهو ولليمين فسنكتشف أن انتصارنا في مجلس الأمن هو انتصار استراتيجي الآثار.