الياس الديري

المشكلة اللبنانية الأساسيَّة، التي يتهرَّبون من مواجهتها والتصدي لها من زمان، هي مشكلة بناء الدولة. أو إعادة بناء ما هدَّمته الحروب، والفوضى، وهجمات الفساد التي قُيّض لها من مكَّنْها من السيطرة المطلقة على مختلف المؤسّسات.
باختصار مفيد هذه هي مشكلة الدولة، والوطن والمواطنين. ولا أدري، اذا كانت المؤسَّسات الاداريَّة الناجحة والدقيقة كساعة بيغ بن التي بناها عهد الرئيس فؤاد شهاب لا تزال قائمة.

أولا ا يزال في الامكان إعادة ترميمها والبناء عليها، وتأهيلها ثانية للاستعمال بدقة وتأنٍّ، فيما إذا قرَّر عهد الرئيس ميشال عون إعادة بناء، أو بعث، "الدولة الشهابية" بكل مؤسَّساتها القديمة والمستحدثة... والتي شكّلت سياجاً متيناً للإدارة الرسمية بدقة واستقامة ونظافة.

حتماً، لست وحدي مَنْ لا يدري. بل قدامى الخبراء، وقدامى المسؤولين، وقدامى الموظفين المشهود لهم، لا يدرون أيضاً.
وقد أعادتني الى هذه المرحلة، وهذه التجربة، كلمات الرئيس سعد الحريري عن الفساد الضارب أطنابه في الدولة السائبة، واقتراحه علاجاً لكل ما تشكو منه المؤسَّسات والإدارة يمكن مداواته بالمكننة الكاملة.

وهنا يرى البعض، ممن عايشوا مأساة الادارة والمؤسسات الكبرى وكيان الدولة بكل مقوماته، أن لا مفرَّ من معالجة الفساد بمكننة كل الدولة، ومكننة الموظفين، وكذلك مكننة أصحاب المعاملات التي فيها ما فيها، ومكننة المفتشين، ومكننة المواطن العادي الذي اعتاد ولوج باب مصالحه واحتياجاته عبر الفساد والقيّمين عليه.

قد يبدو هذا الكلام في منزلة المبالغة، أو عدم النظر بدقة وروَّية الى اقتراح المكننة. غير أن العكس هو الصحيح. فالفساد لم يعد محصوراً في دائرة، أو في فئة. لقد تفشَّى كوَبَاء سريع العطب، عجز المعنيون والاختصاصيون عن إيجاد دواء فعّال يضعه عند حد معين، ويستجمع المتطلبات الكفيلة بالقضاء عليه.

يعرب الخبراء والمطلعون والمسؤولون والمجرّبون عن اعتقادهم أن وقت الجد والعمل الدقيق قد حان... إذا كان في نيَّة العهد اقتباس رؤية الرئيس شهاب والاقتداء بأسلوبه الذي أثمر، وبهر الداخل والخارج حين اختار لجنة لتقدير ما أُنجز.
الرئيس ميشال عون يعلن بدوره جملة من التوجهات لعهده: "ان الجيش والاجهزة الأمنية أساس هذا الوطن، ورمز الطمأنينة والاستقرار". وهذه الإشارة في وقتها ومكانها.

خصوصاً أن لبنان في هذه الأيام يشهد هجمة إيجابية من الدول العربيَّة والأجنبيَّة، وكذلك من المؤسَّسات الدوليّة المصممة على مساعدة لبنان.

ولكن، هل أصبح لبنان جاهزاً لاستقبال المساعدات، وفتح أبواب مؤسساته في وجه المساعدين، من غير أن يكون الفساد في كمينه المعتاد؟