مصطفى الكاظمي

بعد تفجيرات ثلاثة في محافظة ديالى خلال الأسبوع الماضي، تصاعدت الحمى الطائفيّة بين متطرّفين من الشيعة والسنّة في المدينة، التي يسكنها الطائفتان بنسب غبر متفق عليها بسبب الاتهامات المتبادلة حول الفاعل، ذلك انّ اطرافا سنية تتّهم فصائل الحشد الشعبي الشيعية بالهجوم على المساجد وأحراقها، فيما تتّهم جهات شيعية ، بعض السنّة بأنهم من قام بذلك، وانهم يدعمون تنظيم مقاتلي "الدولة الإسلامية" ويوفّرون الحماية لهم. ممّا أدّى الى اعتداءات طائفيّة عنيفة أسقطت العشرات من القتلى والجرحى.

قد يكون الشكل العامّ للأحداث يشير إلى تماس طائفيّ في لحظة عراقيّة مرتبكة، وفي مناطق تمّ تحريرها أخيراً من براثن تنظيم "داعش"، مثل أبو صيدا وبعقوبة والمقدادي، لكنّ واقع الحال أنّ "داعش" الذي طالما طرح نفسه كحامٍ للعرب السنّة في العراق، ومحذّر من مصير كارثيّ لهم في ظلّ ما يعتبره سلطة وقوى أمنيّة شيعيّة، هو المستفيد الأكبر من هذه الأحداث.&

وقع الانفجار الأوّل في 11 كانون الثاني/يناير في مقهى شعبيّ في منطقة حيّ العصريّ في المقداديّة على يدّ انتحاريّ فجّر نفسه في الموقع. وبعد تجمّع القوّات الأمنيّة والمسعفين، انفجرت سيّارة مفخّخة في المكان نفسه، ممّا أدّى إلى تصاعد عدد الضحايا والبالغ كليّاً 23 قتيلاً و44 جريحاً.

&واستهدف الانفجار الثالث في 12 كانون الثاني/يناير موكباً أمنيّاً قريباً من بعقوبة الواقعة جنوب المحافظة بمسافة حدود 60 كيلومتراً من العاصمة بغداد، وأدّى إلى مقتل أربعة من عناصر الأمن، وإصابة مدير استخبارات شرطة المحافظة العقيد قاسم العنبكي و10 أشخاص آخرين.&

وعلى هذا النحو شملت الانفجارات، أعمال انتقام متبادلة طالت المناطق الشيعية والسنية على حد سواء.&

وعقب الانفجارات الإرهابيّة، حدثت اعتداءات واسعة في المناطق السنية ضدّ مساجد ومحلّات تجاريّة لأهل السنّة في المقداديّة وبلدروز وضواحيهما، والتي شملت أكثر من عشرة مساجد، منها جامع نازنده خاتون في حيّ العصري، وجامع المقداديّة الكبير في منطقة السوق، وجامع القادسيّة في حيّ المعلمين، وجامع توفيق عجاج في الحريّة، وجامع محمّد رسول الله في حيّ الجلالي، وجامع الشهيد عبد الكريم في حيّ العسكري، وجامع المثنى بن حارثة في حيّ فلسطين، وجامع البشير في قرية الأحمر، وجامع البخاري في دور الصفر.&

وقد سارع المسؤولون العراقيّون والمسؤولون عن الحشد الشعبيّ إلى ضبط الوضع والمنع من تطوّره، حيث قام رئيس الوزراء حيدر العبادي بزيارة محافظة ديالى مرّتين: الأولى في 14 كانون الثاني/يناير، ولكنّه لم يزر قضاء المقداديّة على وجه التحديد، والثانية في 19 كانون الثاني/يناير والتي خصّصها لزيارة المقداديّة. وخلال زيارته الأولى، أصدر توجيهات مشدّدة بضرورة معاقبة المعتدين على المساجد باعتقالهم، وحماية الأموال العامّة في المحافظة والتعامل بقوّة مع "مثيري الفتنة الطائفيّة".&

وأصدر المسؤول في هيئة الحشد الشعبيّ ورئيس منظّمة بدر التي تتمتّع بنفوذ واسع في محافظة ديالى، هادي العامري بياناً في 13 يناير/كانون الثاني 2016 دان فيه بشدّة "التعرّض إلى المساجد في ديالى واستهداف الإعلاميّين (والمقصود اغتيال مراسل قناة الشرقيّة في ديالى ومصوّرها على يدّ مجهولين في 12 كانون الثاني/يناير).&

كما زار المقداديّة، في 19 يناير/كانون الثاني 2016 مؤكدا على إنّ "مقاتلي الحشد الشعبي يعملون على خدمة مواطني قضاء المقدادية ودعم الامن والاستقرار فيها".&

في المقابل، أثارت أحداث استهداف المراكز السنيّة حفيظة القادة السنّة من مختلف اتّجاهاتهم. فقد قرّرت قوى التحالف الوطنيّة التي تعدّ أكبر كتلة برلمانيّة تمثّل المحافظات السنيّة مقاطعة جلستي البرلمان والحكومة في 19 كانون الثاني/يناير احتجاجاً على استهداف أبناء السنّة في محافظة ديالى حسب تعبيرهم.

&وقد طالبت اللجنة التنسيقيّة العليا للقوى السنّية التي يتزّعمها أسامة النجيفي بتدويل أحداث ديالى من خلال الذهاب إلى الأمم المتّحدة لطلب "الحماية الدوليّة للسنّة العرب" في العراق.&

وفي السياق نفسه، دعت رابطة علماء المسلمين المتشدّدة في 13 كانون الثاني/يناير 2016 الحكومات الإسلاميّة إلى أن "تتدخّل لحماية أهل السنّة بمخاطبة الهيئات العالميّة والمنظّمات الحقوقيّة بجريمة الحكومة العراقيّة، وتحميلها المسؤوليّة الكاملة عمّا يحدث في مدن أهل السنّة من مذابح ومآسي"، غير إن أي إجراء عملي لم يُتّخذ في هذا الصدد.

&إنّ الحديث عن جهّة محدّدة تتحمّل المسؤوليّة لن يكون سهلاً، بسبب إرث من الصراع الطائفيّ في مناطق ديالى خلال السنوات الماضية، التي تضم سكّاناً من السنّة والشيعة والأكراد، حيث لا توجد إحصائية رسمية بأعدادهم، وتقع بين العاصمة بغداد وإيران التي لها حدود واسعة معها، ممّا يجعلها منطقة مثاليّة لأية جهة شيعية أو سنية تسعى إلى إشعال فتنة طائفيّة على أساس دينيّ بين السنّة والشيعة أو عرقيّ بين العرب والأكراد.

&وقد شهدت المحافظة سابقاً موجات تهجير قسريّ بين عامي 2006 و2007 عقب تفجير مرقد الإمامين العسكريّين في سامراء في شباط/فبراير 2006. حيث اتُّهِمت جهات شيعية بانها وراء تهجير العرب السنة، انتقاما لتفجير مساجد الشيعة في سامراء.

&واطّلع "المونيتور" من قيادات أمنيّة تحفّظت عن ذكر اسمها على أنّ محافظة ديالى تضمّ خلايا نائمة لتنظيم "داعش"، وأنّ ما حدث من تفجيرات إرهابيّة في 11 و12 كانون الثاني/يناير جاء بقصد دفع الفصائل الشيعيّة المتواجدة في المحافظة بردّ فعل ضدّ السنّة بغرض إشعال الفتنة الطائفيّة في المحافظة، على رغم ان أي جهة لم تعلم مسؤوليتها عن تلك الحوادث، وقد حصل ذلك بالفعل بقيام جماعات غير منضبطة من الحشد الشعبيّ بردّ فعل عنيف وعشوائيّ ضدّ السنّة في بعض مناطق المحافظة.

&وتعدّ هذه سياسة معروفة لتنظيم "داعش"، أسّسها أبو مصعب الزرقاوي. ففي رسالة صوتيّة في 7-10-2005 وجهها إلى أيمن الظواهري الذي كان قد طلب منه في يونيو/حزيران 2005 عدم استهداف الشيعة والتركيز على استهداف الأميركيّين في العراق، قال الزرقاوي: "إذا نجحنا في جرّهم (أيّ الشيعة) إلى ميدان حرب طائفيّة، فسيكون من الممكن إيقاظ السنّة النائمين إذ أنّهم سيشعرون بخطر داهم وإبادة وشيكة على يدّ هؤلاء الشيعة".

&

ما حدث في ديالى، والذي تكرّر سابقاً في العراق في خلال فترة ذروة الحرب الطائفية بين عامي (2006-2008)، ومن غير المستبعد أن يتكرّر أيضاً، يندرج تماماً تحت سياسة الزرقاوي المتّبعة تماماً من قبل تنظيم "داعش" لإيجاد فضاء طائفيّ ساخن يؤدّي إلى جلب السنّة إلى أحضان "داعش"، لاسيما وانه يستخدم الترهيب لإجبار بعض أفراد الطائفة السنية على القتال في صفوفه. وهذا ما يجب أن تعيه الحكومة العراقيّة في شكل واضح وتمنع من حدوثه بمختلف الأشكال. فإنّ الشعور بأنّ الحكومة المركزيّة لا تحمي مواطنيها السنّة يصبّ بلا شكّ في مصلحة تنظيم "داعش" والتنظيمات الإرهابيّة الأخرى. وعليه، فالقيام بمعاقبة المعتدين على المراكز السنّيّة في شكل سريع وقاطع، إضافة إلى اتّخاذ إجراءات قويّة لمنع تجدّد ما حدث، يعدّ خطوة مهمّة في هذا الصدد، خصوصاً في المناطق المحرّرة أخيراً من قبضة "داعش" والمستعدّة إلى نفوذ التنظيم.

&

&

&

&

&