عبدالحميد الأنصاري&

معركتنا مع الجماعات الإرهابية معركة على المفاهيم الدينية التي شُوهت وحُرفت وحورت، ومن ثم فُجرت على أيدي هذه الجماعات لخدمة أهدافها العدوانية، إنها معركة المفاهيم الدينية التي يجب أن تنتصر بما يتفق ومقاصد ديننا العظيم وقرآننا الكريم الذي جاء نوراً وهدى للعالمين.&

وصف وزير الخارجية الأميركي كيري أتباع "داعش" بأنهم "مرتدون... وخطفوا ديناً عظيماً".

التساؤلان المطروحان: كيف خُطف هذا الدين الذي جاء رحمة للعالمين؟! ولماذا ينجذب بعض الشباب المسلمين وبعض معتنقي الإسلام الجدد إلى "داعش"؟

الأم البريطانية التي اصطحبت طفلها وانضمت إلى "داعش" ثم رجعت وحوكمت بالسجن 6 سنوات، عللت التحاقها بـ"داعش" أنها أرادت العيش في ظل شريعته، وبعثت لأهلها تقول "لقد ذهبت لأبني بيتاً لي في الجنة لنا جميعاً"، والنساء الباكستانيات اللاتي احتشدن في الذكرى السنوية لمأساة "المسجد الأحمر" في إسلام آباد، وهن يرددن "الجهاد هو طريقنا"، اصطحبن أطفالهن وقد عصبن جباههم بعصابات كتب عليها، شهادة أن لا إله إلا الله.

أخلص إلى أن إجابة التساؤلين تنحصر في العامل الديني، وأقصد به "المفاهيم الدينية" الخاطئة، فكل هؤلاء الذين اندفعوا والتحقوا بهذه الجماعات المنحرفة، إنما فعلوا ذلك عن قناعة كاملة بأنهم إنما يقتلون ويفجرون ويضحون بأنفسهم من أجل هدف أسمى، يعلو كل الاعتبارات المادية الأرضية، إنهم يمارسون الجهاد للفوز بـ"الشهادة" الموصلة إلى الجنة، يلتحقون بـ"داعش" وغيره من التنظيمات المتطرفة، لأنهم يردون الحياة والعيش في ظل "الشريعة" و"الحاكمية الإلهية".

&ودع عنك ما يقوله بعض المحللين الغربيين وعلى رأسهم "أوليفيه روا" من أن الإرهاب رد فعل على العولمة، ونوع من استحضار الهوية والدفاع والمقاومة، أو ما يفسره بعض المحللين العرب من أن الإرهاب هو نتاج القمع والاستبداد والقهر لأنظمة عربية، أو أنه نتاج الفقر والبطالة والتخلف، فكل هذه التفسيرات تنطلق من أن الإرهاب رد فعل، وهذا غير صحيح، لأن الإرهاب "فعل" لا "ردّ فعل"، هو فعل له كتبه وطروحاته وفتاواه وبرامجه وشيوخه وإعلامه وأهدافه وطموحاته في إحياء "دولة الخلافة" التي تطبق الشريعة كما نزلت.

هؤلاء الذين يبررون أو يفسرون الإرهاب بأنه ردة فعل على المظالم الدولية وقمع السلطات العربية والعولمة المتوحشة الغازية، إنما يرتكبون خطأً فاحشاً وإن لم يقصدوا، لأن ربط الإرهاب بهذه القضايا، يمجده ويمنحه الصفة المشروعية النبيلة، وهم بهذا يمدون في عمر الإرهاب ويسهمون في جذب المزيد من الشباب الحالمين بالبطولات الرومانسية، ولو كان الإرهاب رد فعل عولمياً لاكتسحت العولمة المعمورة كلها، ولو كان الإرهاب وليد الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية أو بسبب المظالم والقهر والبطالة، فإن شعوباً ومجتمعات عديدة تعانيها وتعاني أشد منا، لكنها لم تنتج تنظيمات إرهابية كما عندنا.

&إن معركتنا مع هذه الجماعات معركة على المفاهيم الدينية التي شُوهت وحُرفت وحورت، ومن ثم فُجرت على أيدي هذه الجماعات لخدمة أهدافها العدوانية، إنها معركة المفاهيم الدينية التي يجب أن تنتصر لتعيد الاعتبار لها وتفسيرها بما يتفق ومقاصد ديننا العظيم وقرآننا الكريم الذي جاء نوراً وهدى للعالمين، إنه التشويه الأكبر الذي لحق بمفهوم ديني عظيم وهو "الجهاد"، وهو يفسر لنا أن أصل الإرهاب فهمٌ ضال للجهاد.

&لقد نجحت التنظيمات المنحرفة في تحبيب بعض شبابنا بـ"الموت"، وبتفخيخ مفهوم الجهاد، وواجبنا اليوم تحبيب شبابنا بالحياة وبتعليمهم أن جهادهم الحقيقي هو في ميادين العلم والتقنية والتنمية والبناء والاكتشاف والابتكار كما يفعل شباب العالم، وأن الجهاد القتالي هو من مهمة الجيش النظامي للدولة.

ختاماً: لو كان الإرهاب رد فعل لمظالم أو قمع أو ضيق اقتصادي لما خرج أول تنظيم إرهابي (الخوارج) على الدولة النموذج، دولة "الراشدين".