سمير عطا الله

تشتغل «الأسرة الدولية» للمقاولات والتجارة والحدادة عند «الشركة القابضة»، المعروفة بالدول الكبرى. وللشركة مقار وفروع في كل مكان، وعندها بيانات مطبوعة سلفًا، ووعود مرقمة، وبنود موضبة، ومايكروفونات للمؤتمرات الصحافية، ودائرة محفوظات، وعندها فرقة تماسيح خاصة ومدربة، تذرف الدمع في نهاية كل مؤتمر على أمل اللقاء في المؤتمر التالي.


وتختلف المؤتمرات عادة بشيء واحد هو الأرقام: جنيف واحد، أو اثنان، أو السادس والسبعون. كذلك تختلف المقررات: 200524 أو 600822. وللمؤتمرات قاسم مشترك واحد وهو أن تُعقد فوق جثث الضحايا الذين هم موضوع المفاوضات. والقاسم المشترك الآخر، دائمًا: «يرضى القتيل وليس يرضى القاتل».


ومن كان مثلنا قد غطّى جلسات القرار 242 بعد 1967 ولم يعد يعرف أين أصبحت، لا يعود متحمسًا لمتابعة أي مؤتمر بصرف النظر عن اسمه ورقمه المتسلسل. القضايا لا تُحل في المؤتمرات، بل خارجها. وقد تعلمنا من السوابق والسابقات، أنه كلما كان المؤتمر برعاية أميركية – روسية مباشرة، ازداد عدد الضحايا، وكبر الفشل والعجز والخبث واللؤم البشري البارد.


فلماذا، وعلى ماذا يلتقي فريقان، واحد يقول برحيل الأسد، وواحد يقول إن الشعب السوري هو من يقرر مصيره؟ واحد يحيل المسألة على جنيف، وواحد يحيلها على 15 مليون مشرد لا يعرفون أين ينامون، وهو يريد منهم العثور على مراكز انتخابية يقترعون فيها؟ اللؤم البشري يمارس في جميع العصور. وله دماء رعاية دولية. وترافقه دائمًا فرق تماسيح تعزف وتنشد وتذرف الدمع حارًا وتذروه سخينًا.


لكن هذه المرة غير سواها. هذه المرة «العرض حي ودائم ومنقطع النظير». وجون كيري الذي يملك بعض أجمل البيوت في أميركا، مشرد من فندق إلى فندق، وقد أصبح مواطن غرف في جنيف. مرة يستبقيه محمد جواد ظريف البسام، ومرة سيرغي لافروف العباس. وبينهما نصف مليون قتيل سوري، وركام سوريا، ومأساة إنسانية تركت آثارها في كل مكان، إلا موسكو وواشنطن.


ففي الأولى عرض على اللاجئين الذهاب إلى سيبيريا «حيث الحاجة إليهم»، وفي الثانية، عرض أوباما استقبال عشرة آلاف لاجئ، وربما أكثر. لقد شهد بسطاء هذا العالم لؤمًا كثيرًا تحت عناوين وأرقام وتواريخ متعددة. أفظع من لؤم جنيف المتسلسل - لم يشهد.
&