مأمون فندي

مؤتمر المانحين الذي عقد في لندن يوم 4 فبراير (شباط) 2016، والذي ترأسته كل من بريطانيا والكويت وألمانيا والترويج، وجمع ما يقرب من تسعة مليارات دولار لدعم الشعب السوري، هو عمل يستحق الإشادة، ليس لحجم الأموال فقط، بل لأن الغرب في نهاية المطاف تبنى مبادرة عربية جادة، قامت بها دولة الكويت من خلال ثلاثة مؤتمرات سابقة ناجحة، والرسالة هنا هي أنه متى ما قامت الدول العربية بمبادرات جادة وناجحة، لا يتردد العالم في احتضانها وأخذها مأخذ الجد.


الجديد في هذا المؤتمر هو أن الأموال هذه المرة ستنفق بطريقة مختلفة على التعليم وتدريب الشباب وعلى صحتهم، من أجل إعادة تأهيل اللاجئين، ولكن لا بد أن نتذكر أن التحدي كبير، وكما أن هناك 9 مليارات دولار، هناك 9 ملايين نازح سوري في الداخل، مقابل 4.5 مليون لاجئ خارج سوريا من مجموع 22 مليون سوري كتعداد للسكان.


إذن شردت الأزمة نصف الشعب السوري تقريبا ما بين نازحين في الداخل ولاجئين في الخارج. مؤتمر لندن وما سبقه من ثلاثة مؤتمرات أخرى عقدت في الكويت وبمبادرة كويتية مع الأمم المتحدة، جمعت ما مجمله 11 مليار دولار، كلها جمعت في الكويت ومن دول عربية مثل السعودية والإمارات ودول غربية مثل أميركا وألمانيا. ولكن الريادة كانت للكويت فيما يعرف بالمدخل الإنساني للأزمة السورية شديدة التعقيد.


بعض القنوات الإخبارية الغربية طرحت تساؤلا يغمز من جدوى مؤتمر المانحين وهو: هل يحل المال الأزمة السورية؟
المال بالطبع لن يحل أزمة سياسية مستفحلة ومزمنة مثل الأزمة السورية، لكنه يساهم في حل أزمة بشر في مخيمات اللجوء في داخل سوريا وخارجها. إن قيادة دولة إقليمية مثل الكويت لهذا المدخل الإنساني للأزمة السورية، لهو أمر يستحق التمعن، فلم يقد الغرب هذا العمل، بل حتى عندما استضافت بريطانيا المؤتمر كان فيه جانب سياسي ليدفع عنها شبهة الهروب من التعامل مع الأزمة، ويغطي على موقفها الذي وصل لدرجة التهديد بالخروج من الاتحاد الأوروبي لو فرض عليها استقبال كوتة معينة من اللاجئين السورين. في الحقيقة أزمة اللاجئين مثلت تحديا للبنية الهشة للاتحاد الأوروبي، التي لم تختبر في قضايا إنسانية من قبل. تم اختبار الاتحاد الأوروبي كقوة عسكرية في أزمة كوسوفو عام 1999، ولكن كان الهدف من التدخّل الإنساني هو استخدام القوة العسكرية لإنقاذ شعب كوسوفو، وليس استقبال اللاجئين الكوسوفار واستيعابهم داخل أوروبا.


الكويت كدولة صغيرة لم تكابر وتطرح نفسها كلاعب رئيسي في حل الأزمة السورية، ولكنها صنعت لنفسها مساحة من خلال مدخل إنساني للأزمة السورية بدأ بمبادرة الكويت لعقد المؤتمر الأول للمانحين، الذي عقد في العاصمة الكويت في 30 يناير (كانون الثاني) 2013، تبعه أيضا مؤتمر الكويت الثاني الذي عقد في 2014 بشراكة بين الكويت والأمم المتحدة. يومها وخلال حديثه عن الوضع الإنساني، قال الشيخ الصباح إن «دول الجوار السوري تواجه أزمة كبيرة بسبب اللاجئين»، معلنا أن بلاده ستساهم بمبلغ 500 مليون دولار لدعم الشعب السوري. وتابع: «إن نسبة الالتزام بتعهدات المؤتمر السابق تبلغ 90 في المائة». واللافت في المؤتمر الثاني هو تجاوز الأمر دور الدول وتخطاه إلى المنظمات المانحة غير الحكومية، إذ أعلن في المؤتمر التعهد بتقديم 506 ملايين دولار. وفي مؤتمر المانحين الثالث الذي عقد أيضا في الكويت أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، أن قيمة المساعدات في مؤتمر المانحين الثالث بلغت 3.8 مليار دولار تعهدات بمساعدات إنسانية للسوريين.


ثلاثة مؤتمرات أكدت استمرارية المبادرة الكويتية، وأوصلتنا لأول مؤتمر للمانحين عقد خارج الكويت، وهو مؤتمر لندن في الأسبوع الماضي، الذي شاركت الكويت في رئاسته مع بريطانيا وألمانيا والنرويج.
هذا العمل الإنساني الجبار هو الذي جعل الأمم المتحدة تحتفل بأمير الكويت كقائد إنساني في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، كما تم تكريم الأمير أيضا من قبل رئيس وزراء بريطانيا في مؤتمر المانحين الرابع في لندن.
مهم أن يكون هناك توزيع أدوار بين العواصم العربية، لتصبح الكويت مثلا عاصمة العمل الإنساني، والرياض أو أبوظبي عاصمة الدبلوماسية، وهكذا، أي تقسيم هو عمل مفيد، وليس تنافسا على المبادرات والمؤتمرات ذاتها التي يلغي بعضها بعضا.


الأزمة السورية هي أزمة عربية والسوريون عرب وقضيتهم عربية، لذلك لا بد أن يتصدى العرب لحلها من خلال مبادرات عربية قوية تحظى بالاحترام العالمي. الكويت أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن المدخل الإنساني للأزمة السورية من خلال المؤتمرات الأربعة، أن المبادرات العربية المنظمة تحظى باحترام العالم، وكما كان مؤتمر الرياض لجمع شمل المعارضة السورية، رغم تعثر المفاوضات، مؤتمرا ناجحا، وأخذت الأمم المتحدة بمخرجاته، فإن المدخل الإنساني العربي للأزمة يبقى هو الأهم الآن، ولكننا نريد أن نوسع هذا المدخل الإنساني ليفتح آفاقا أكبر للحلول الدبلوماسية. فلتجتمع الدول العربية حول مبادرة جادة لحل الأزمة السورية بدايتها المدخل الإنساني للأزمة.


الإنسان هو جوهر السياسة وأساس الأمن، فاليوم يتعامل العالم مع فكرة الأمن القومي من منظور جديد، وهو الأمن القومي الإنساني، الذي يكون أمن الفرد فيه هو أساس فكرة الأمن القومي، كذلك ومن نفس المنطلق يمكننا أن نقول إن الدبلوماسية التي تركز على الفرد من خلال مدخل إنساني للأزمات المعقدة، قد تكون أكثر فائدة وقربا من الواقع من التدخلات العسكرية. بهذا أعني أن استخدام الدبلوماسية الناعمة كبديل للدبلوماسية الخشنة هو المدخل لحل أزمة معقدة مثل الأزمة السورية.