حسن الحارثي

ما يقوم به أطفال داعش الذين احترفوا تفجير المساجد، هو مجرد تنفيذ طوعي لأجندة مطروحة، وأفكار متداولة لها منظروها، وكي تتم السيطرة على الفعل، لا بد من التصدي للفكرة أولا، والفكرة ببساطة تقوم على تكفير المخالف، وتكفير الدولة على أمل قيام دولة الخلافة تحت راية السلفية الجهادية.

حاربت الدولة أزلام القاعدة الذين سبقوا الدواعش في التكفير والقتل والإرهاب، ولو أنهم لم يصلوا إلى ما وصل إليه الدواعش حين استهدفوا الركع السجود، استطاعت ملاحقة وضبط منظريهم ومنهم فارس آل شويل وصالح الشمسان، وتم القضاء على القاعدة كمؤسسة، ولو أن الفكرة بقيت صالحة للتداول، لكن الإنجاز الكبير هو مسح اسم القاعدة من الوجود، رغم تمددها سنوات من قندهار إلى أقصى المغرب.

قضية داعش أخطر وأكثر تعقيدا، فالمنظرون يعملون بعيدا عن التنفيذيين، وربما لا يجمعهم سوى محادثة عبر حسابات إلكترونية مزيفة، لكن الفكرة التي هي الأساس موجودة وربما متغلغلة في مجتمع الإرهابي التنفيذي، وإذا آمنا أن الفكرة هي التكفير واستباحة الدم، فعلينا أن نتوقف قليلا لنرصد عدد الأشخاص بيننا الذين يعتقدون بذلك: تكفير الشيعة وتكفير الدولة، وهنا حدث ولا حرج، إنهم كثر وبينهم من يلبس ثوب الشيخ والداعية، ويعلم أبناءنا في المدارس والجامعات، ويظهر على الشاشات وله جمهور ومريدين في الشبكات الاجتماعية.

وكي تنجح قضيتنا في محاربة الفكر الداعشي ومسلسل الإرهاب المستمر، يتوجب علينا أولا أن ننظف عقولنا من سلطة الشيخ والداعية المحرض على الكره والتكفير، وتحجيم دورهم كقادة فكر ومفتين، ثم بسن قوانين تجرم التكفير والانتقاص من المذاهب، وتجرم كل عمل يخل بالمواطنة واستعداء الآخرين، وهذا دور الدولة في اتخاذ مثل هذا الإجراء، لأنها ما زالت تدفع كثيرا من الجهد والمال وأرواح الرجال في مواجهتها الدائمة مع الإرهاب والإرهابيين الذين وجدوا حاضنا فكريا في بلادهم قبل أن تصلهم التعليمات بتنفيذ عمليات التفجير من الخارج.

ولعلنا بذلك نستطيع أن نمسح الصورة القاتمة التي يرى بها العالم في الغرب والشرق الدين الإسلامي، لأن هذا أمر بالغ الأهمية، وفي استمرار هذه الصورة تهديدا للهوية، وبدلا من أن تقوم المظاهرات المعادية للإسلام في أصقاع العالم كما يحدث حاليا، تقوم المسيرات المؤيدة للسلام والتسامح الذي هو روح الدين الإسلامي الحنيف، فلم يكن رسول الله وصحابته الكرام مكفرين ولا مفجرين .