محمد خروب
&
عشية انعقاد مؤتمر ميونيخ (يلتئم اليوم) الذي تحضره دول بيان فيينا وبعض المنظمات الدولية, ذلك البيان الذي شكّل الارضية الوحيدة لقرار مجلس الامن 2254 الخاص بسوريا, لوّح رئيس الدبلوماسية الاميركية جون كيري وفي شكل مفاجئ بالانتقال الى الخطة «ب» العسكرية, واضعاً شرطاً لازباً, وهو أن يتم احراز تقدم في اتجاه وقف «فوري» لاطلاق النار وإلا.. فالايدي ستكون رشيقة على الزناد.
&
فهل حقاً يعني هذا الرجل الذي لم يُنجِز طوال السنوات الاربع التي مكثها على رأس الدبلوماسية الاميركية أي انجاز يُذكر, بل تلقى الصفعة تلو الاخرى في اكثر من مكان, ليس اقلها في ما وجهه له قادة اسرائيل من اتهامات وغمز من قناته حتى كادوا يدمغونه باللاسامية, لولا انه - كما رئيسه اوباما - آثر الصمت وراح يُذَكِر تل ابيب بما قَدّماه لها من خدمات وخصوصاً في المجالين الامني والعسكري.
&
ليس شيئاً مستبعداً في الازمة السورية, بعد أن اختلطت الاوراق واستبد اليأس بداعمي الارهاب والجماعات المُسلّحة الذين راهنوا على أن «مخدوميهم» قادرون على حسم المعركة, فاذا بهم الان امام ساعة الحقيقة التي تقول بأن اندحار المعارضة المسلحة اقرب اليوم من أي وقت مضى, ما اثار المخاوف في العواصم الداعمة, اقليمياً وعبر المحيطات, الى الاستنفار والتلويح بالانتقال الى الخطة «ب» والتي تعني هنا العمل العسكري.
&
فلماذا حدث هذا التطور الدراماتيكي؟
&
لا يعدو كونه رد فعل المهزومين, إزاء ما ينجزه الجيش السوري وحلفاؤه في الشمال والجنوب, والاحتمال الماثل لمحاصرة احياء شرقي مدينة حلب لاجبار المسلحين على الاستسلام أو الموت, وهذا ما لا تحتمله العواصم التي ما تزال تُراهن على تعديل موازين القوى واستدراج وقف لاطلاق النار, يسمح للمسلحين بالتقاط الانفاس ويفتح الطريق على الرعاة والداعمين والممولين لتزويد «مخدوميهم» بالاسلحة النوعية وكاسرة التوازن هذه المرة, دون أي حساب للعواقب أو الاكلاف.
&
هذا لا يبدو متاحاً الان, رغم كل التهديدات والتصريحات التي تفوح منها رائحة استخدام القوة وحشد الجيوش واجراء المناورات, لأن الامور الميدانية, وصلت – أو تكاد – الى نقطة اللاعودة, وامكانية «استنقاذ» حلب الشرقية معدومة لأكثر من سبب لوجستي ومعنوي وخصوصاً عسكري، وإلاّ فإن دويّ المدافع سيُسمَع في اكثر من مكان ولن تكون سوريا وحدها هي ميدان الحرب الوحيدة، لأن الأمور–في حال تم الانتقال «فعلياً» الى الخطة ب–ستعني ان خطر محاولة «حل» الأزمة السورية بالوسائل العسكرية... بات واقعياً, على ما قال حرفياً وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، ولهذا سيكون اجتماع اليوم في ميونيخ حاسماً، لأنه ليس لدى معسكر اميركا سوى ورقة وحيدة، وهي المطالبة بوقف «فوري» لاطلاق النار في سوريا دون ان يُقدّموا أي «ثمن» لهذا الوقف او يقوموا بطرح سيناريو واقعي, ينهض على بدء فوري لمحادثات جنيف3، دون شروط مسبقة تحت طائلة النبذ، إذا واصلت معارضات مؤتمر الرياض التلاعب في المواعيد ونثر الشروط والتهديدات.
&
وإذا كان رئيس الدبلوماسية الروسية لافروف قد حسم في شكل لا يقبل الجدل بأنه «لا في سوريا ولا في اوكرانيا، يستطيعون فرض السيطرة من دوننا، بالعكس–يقصد الاميركيين–هم يطلبون المساعدة منا، بعد ان اصيبوا باليأس نتيجة سياساتهم».فإن من السذاجة الاعتقاد ان الانتقال الاميركي (بالتعاون مع دول اقليمية في المنطقة بل واعتماداً على عديد جيوشها) الى الخطة العسكرية «ب» سيكون سهلاً او بمثابة نزهة، يستطيع سيد البيت الابيض في الوقت القصير المتبقي له والضعف الذي تتسم به ادارته والانتقادات اللاذعة التي تُوَجه لِسياساته، في الداخل وفي الخارج، ان يتحمّل تبعات حرب مدمرة في المنطقة، قد تبدأ في اي وقت، دون ان يعلم احد متى تنتهي او يتكهن بالاطراف التي ستدخلها والتصعيد الذي قد يرافقها وبخاصة ان «روسيا» موجودة على الاراضي السورية ولن تسمح–هي وايران–ان يتم تقويض الانتصارات الاخيرة او اعادة انعاش المنظمات الارهابية, التي لوّح لها الرعاة والداعمون باستمرار دعمهم إذا ما تحولوا الى حرب العصابات، بعد ان يكونوا قد خَسِروا ما يسيطرون عليه الان من بلدات وبعض المدن والارياف.
&
يجدر بِمَن يُلوح بالخيار العسكري في واشنطن وغيرها, ان يُفكِر جيداً وطويلاً, وبخاصة بعد ما قاله رئيس الاستخبارات الوطنية الاميركية جيمس كلابر: إن عدداً كبيراً من الأعمال «العدائية» من قبل الروس حالياً للدفاع عن «وضعهم كقوة عظمى عالمية», يمكن ان يستمر، ويمكننا ان نجد انفسنا من جديد في دوامة تشبه الحرب الباردة.
.. فهل هذا ما يريده الثنائي اوباما – كيري, قبل اشهر من انتهاء وظيفتيهما؟
الأيام القريبة ستحمل الجواب.. فلننتظر.