مصطفى زين

ما إن أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي استعداده لتعديل وزاري يشمل الكتل السياسية كلها وتشكيل حكومة تكنوقراط، بناء على طلب المرجعية الشيعية في النجف، حتى بدأت ردود الفعل الرافضة هذا التغيير «الجوهري» في أسلوب الحكم الذي كرسه الدستور والاتفاقات بين الكتل والأحزاب، على مختلف توجهاتها. فأعلن النائب سامي العسكري (من ائتلاف دولة القانون) أن أقصى «ما يمكن أن يتمناه (يحققه) تغييرات شكلية. وهو الآن تحت رحمة الكتل. إن لم تتفق فلن يستطيع أن يفعل شيئاً».

&

تولى العبادي رئاسة الوزراء عام 2014 بناء على ورقة تفاهم سياسي بين «المكونات» تنص على التخلص من إرث نوري المالكي، أي تشريع قانون للحرس الوطني وقانون الأحزاب، والإفراج عن «المعتقلين الأبرياء» وحل الخلافات مع إقليم كردستان، وإنصاف المكون السني في المناصب. والأهم من كل ذلك الابتعاد عن إيران، على رغم عدم ورود ذلك صراحة في الورقة.

&

بعد سنة ونصف السنة على توليه السلطة، وجد العبادي نفسه في دوامة. كل ما استطاع تحقيقه إلغاء مناصب نواب رئيسي الجمهورية والوزراء. ودمج بعض الوزارات لتقليص النفقات. وبقيت الوعود (التفاهمات) الأخرى مجرد حبر على ورق. قانون الحرس لم يقر لأن القوى السنية ترفض أن يكون هذا التشكيل العسكري بإمرة رئيس الوزراء، وتصر على أن يتبع المحافظات، وأن لا يكون في صفوفه عناصر من خارجها. وقانون الأحزاب ما زال موضع جدل كبير، والخلافات مع الأكراد ازدادت. أما الابتعاد عن إيران فلم يحصل، والعكس صحيح فـ «الحشد الشعبي» الذي أصبح في عهده جزءاً من المؤسسة الأمنية الرسمية، ما زال يتلقى توجيهاته من طهران، ومن المستشارين الإيرانيين على الأرض. وكل ما فعله العبادي في هذا الإطار أنه رضخ لضغوط أميركية فأبعد «الحشد» عن معركة الرمادي، وعزز دور مقاتلي العشائر. ولم يعترض على إيراد اسم المالكي في قائمة المسؤولين عن سقوط الموصل في يد «داعش»، وبينهم أيضاً محافظها السابق أثيل النجيفي الذي أقيل من منصبه، ويتولى الآن قيادة «الحرس الوطني» المكلف تحرير المدينة.

&

هل يستطيع التكنوقراط، إذا نجح العبادي في تشكيل حكومة جديدة منهم، حل المشاكل في العراق؟ ثم من قال إن التكنوقراط مستقلون غير تابعين لهذه الجهة السياسية أو تلك؟ وهل سيتيح ناهبو العراق الفرصة أمامهم للقضاء على الفساد؟

&

واقع الأمر أن مهمة العبادي ليست سهلة، فالإصلاح في العراق في هذه الظروف شبه مستحيل، لأسباب كثيرة، منها أن المستفيدين من الوضع لن يقفوا مكتوفي الأيدي، ولديهم ميليشياتهم وقواهم الطائفية والعشائرية والحزبية المستعدة للدفاع عن مواقعهم بما أوتيت من قوة. والأهم من كل ذلك أن الإصلاح يحتاج إلى إعادة النظر في الأسس الدستورية والقانونية التي شكلت عراق مابعد الاحتلال، وهذا ليس في متناول العبادي ولا غيره.

&

استخفاف النائب سامي العسكري بطروحات العبادي هو الوجه الأصيل لحقيقة العراق.
&