&&هدى الحسيني&&

الإعلان عن الانسحاب الروسي من سوريا قبل يوم واحد من بدء المحادثات حول مستقبل سوريا كان مفاجأة لكثيرين، لكن الدخول إلى سوريا في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي لم يكن كذلك، أقله بالنسبة للروس، فروسيا ومؤسستها العسكرية كانتا تعدان لتدخل كالذي حصل في سوريا منذ سنوات، ثم إن العملية نفسها تم الإعداد لها جيدًا، إذ إن الخبراء الروس بدأوا العمل في القاعدة الجوية في اللاذقية قبل سنة من وصول الطائرات. هذا ما قاله المحلل الروسي سيرغي كاراغانوف للأسبوعية الروسية «ذي نيوز تايمز» في 15 من الشهر الماضي، وذلك لأسباب كثيرة، منها تصور روسيا منذ زمن بأن الشرق الأوسط سيتعرض للكثير من الكوارث، وأنه سوف ينهار خلال 20 إلى 30 سنة.

ومع إطالة الحرب في سوريا أدركت روسيا أنه لا بد من الحفاظ على نوع من التوازن في المنطقة لمنع الانفجار الأشمل، وحسب ما يقول كاراغانوف: «إن الوضع سينفجر حتمًا إذا ما انتصر السنة أو الشيعة في سوريا أولاً، ولاحقًا في مناطق أخرى من الشرق الأوسط، فرأت روسيا أنه من الأفضل عدم السماح لأي طرف بالانتصار».

سالت أحد الصحافيين الروس عما إذا كان بوتين يعرف ما يُقدم عليه، فأجاب: «الحقيقة لا أحد يعرف الجواب، يقول البعض إنه دائمًا يتصرف ردًا على الأحداث. إنه يستمع إلى نصائح دائرته الصغيرة مثل وزير الدفاع سيرغي شويغو. وعندما يحين وقت اتخاذ القرار فإن بوتين رجل اللحظة».

بالنسبة إلى قراره الأخير، سحب قواته من سوريا (أساسًا لا أحد يعرف عدد القوات الروسية هناك)، أبقى على القاعدتين الجوية والبحرية، وحافظ على النفوذ الروسي، وأثبت أن المشكلة السورية لا يمكن حلها من دون روسيا. أبرز ما أبقى عليه في سوريا نظام الدفاع الجوي «إس - 400» المتقدم جدًا والقادر على ملاحقة عدة أهداف فوق مساحات واسعة تغطي إسرائيل وتركيا والأردن.

ويعترف مسؤولون أميركيون بضرورة تحقيق تقدم سياسي كبير باتجاه حكومة انتقالية تحل محل الحكومة التي شكلها رئيس النظام بشار الأسد، وذلك لتفادي انهيار المحادثات، ويشيرون إلى أن مفتاح التقدم هو روسيا بالذات، وتحديدًا بوتين ذا التفكير المتشدد.

حتى الآن خفض اتفاق «وقف العمليات العدائية» وبشكل كبير عدد القتلى في سوريا، حتى ولو أبقى نظام الأسد على نيرانه مصوبة ضد المعارضين، إلا أن روسيا «تنحت». ويبدو أن هذا التطور شجع المسؤولين الأميركيين على الاعتقاد بأن روسيا مستعدة أن ترى حلاً لحرب استنزاف متواصل منذ خمس سنوات.

جون كيري وزير الخارجية الأميركي يشعر بفخر مفهوم، كونه كسب التعاون الروسي، عندما كان الكثيرون في الإدارة الأميركية يشككون في قدرته على تحقيق أي تقدم ملموس. نجح، رغم دعم البيت الأبيض الفاتر، وبالذات من جانب الرئيس باراك أوباما، كما يقول مصدر أميركي مطلع، ويضيف أن كيري أبلغ مقربين منه أن الرئيس أوباما لم يعطه «النفوذ» المطلوب كي يتعامل بفعالية أكثر مع الروس.

في حديثه المطول إلى مجلة «أتلانتيك» كان أوباما واضحًا عندما قال إنه لن يتسامح بعد الآن مع طلبات كيري لبعض «العضلات العسكرية» لدعم الدبلوماسية الأميركية. بدوره، كان كيري دبلوماسيًا بقوله إنه يقدر الأسباب وراء تردد الرئيس بعدم السماح للقوات الأميركية بالتدخل أكثر وأكثر في الحرب السورية، وكما قال أحد مساعديه أخيرًا: «إن كيري فهم أن أوباما يرى (الكثير من الظلال الرمادية) للنزاع في سوريا، ولا يعتقد أن ذلك سبب كاف للتقاعس عن العمل».

إضافة إلى ذلك، ليس كيري وحده، بل إن كثيرين من حلفاء الولايات المتحدة يعتقدون أن الإدارة مكنت روسيا، واستطرادًا سوريا وحليفيها إيران و«حزب الله». وقال أحد المسؤولين الأميركيين: «نقول للمعارضة السورية إننا غير قادرين على أن نفعل لكم ما يفعله الروس للأسد، وكأننا نقول لهم: (لا تعبثوا مع بوتين)». وأشار مسؤول آخر إلى أن الروس «قادرون على الحصول على كعكتهم وأكلها أيضًا، وأن يكونوا على حد سواء صانعي السلام وصانعي الحرب»، لكن آخرين في الإدارة أشاروا إلى أن روسيا في الغالب تسعى إلى الاعتراف بها كشريك مع الولايات المتحدة. وأشار أحدهم إلى أن بوتين يحظى بدعم ساحق في بلاده، رغم تراجع الاقتصاد لثلاث سنوات متتالية، جاذبه الرئيسي هو القوة من خلال القومية، وإظهار السيطرة الروسية.

وفي حين ينزعج بعض المسؤولين الأميركيين من براعة بوتين في تحسين صورة روسيا، فإن البعض الآخر يقبلها كواقع ويركز على الدور الذي يمكن للولايات المتحدة لعبه لإنهاء الصراع السوري الدموي. ومع خيارات عسكرية محدودة وكون الدبلوماسية هي الخيار الوحيد، فإن الإدارة بشكل عام وكيري بشكل خاص ركزا على العمل مع الحلفاء المقبولين كشركاء على الأرض.

هنا تبرز «الهيئة العليا للتفاوض» برئاسة رياض حجاب. ومع دعم منتظم من المملكة العربية السعودية وصلت الهيئة إلى محادثات جنيف. لكن المسؤولين الأميركيين يعرفون حقيقتين أكيدتين عن الهيئة؛ الأولى، أنها لن تقبل أي اتفاق مع نظام بشار الأسد، والثانية، في حين أن وقف العمليات العدائية نجح بشكل غير متوقع، إلا أن هذا غير كاف لإبقاء ممثلي الهيئة على طاولة المحادثات. وكما قال مسؤول أميركي: «إن وقف إطلاق النار هش جدًا، وفي وقت انخفض فيه العنف بشكل كبير وبدأت قوافل الغذاء تصل إلى الذين بأشد الحاجة إليها» إلا أن «الهيئة العليا للتفاوض» لن تستمر في المشاركة في المحادثات، ما لم يبدأ قريبًا وقريبًا جدًا السير في الطريق إلى ترتيبات انتقالية».

هنا، الروس هم المفتاح الأساسي كما يقول المسؤولون الأميركيون: «ولأننا غير قادرين على إقامة جسر بين النظام والمعارضة، فإن المحادثات ستواجه طريقًا مسدودًا ما لم يصبح واضحًا جدًا أن الروس غير متشبثين بالأسد».

رغم الخطوات الأخيرة لبوتين التي أراحت جو المحادثات، فإن كل ما يقوله المسؤولون الأميركيون عن النيات الروسية: «إننا نجمع معلومات». جزء من هذه المعلومات استقاه الأميركيون من عدة جولات من المحادثات مع الروس. لكن حسب من شاركوا فيها وخلافًا للوصف الذي قدمته موسكو، فإن تلك المحادثات لم تكن ودية، بل «وعرة»، كما قال أحد المسؤولين الأميركيين الكبار.

يضيف: في الوقت نفسه وجهنا نيران خطاباتنا إلى المعارضة وأقنعناها مع وسيط الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا بأن تقبل المحادثات «على مدى بعيد»، لكن أعضاء المعارضة يسألون: كم يومًا علينا أن نتحدث قبل الموافقة على التغييرات السياسية؟ مسؤول أميركي أبلغ حجاب ورفاقه أيضًا بضرورة الاتصال بالطائفة العلوية ليضمنوا أنه لن يكون هناك انتقام «إذا وافق الروس على نقل الأسد إلى مينسك عاصمة بيلاروسيا». يقول مازحًا، ويضيف، أن حجاب يقول هناك ما بين 10 إلى 12 ضابطًا يجب معاقبتهم.

هكذا نصل إلى أن الخيارات هي: إقالة الأسد على يد أنصار داخليين أو أنصار خارجيين أو حرب استنزاف غير محدودة. لكن، حتى إذا أقيل الأسد بالقوة من قبل حلفائه السابقين، يبقى السؤال ما إذا كان إبعاده سيؤدي إلى انهيار كامل لسوريا كدولة. ويقول المسؤولون الأميركيون، أمر واحد مؤكد هو أن النتيجة لن تبت على أرض المعركة. وفي وقت أن الحل الدبلوماسي هو النتيجة المثالية، إلا أن بعض المسؤولين الأميركيين بدأوا يشككون في أن تمرر المعارضة هذا العام، على أمل وصول إدارة أميركية جديدة تكون أكثر دعمًا لهم.

أما الروس فيقول سيرغي كاراغانوف: منذ بدأنا اللعب في هذه المنطقة كان واضحًا تمامًا أننا لا نريد سلطنة عثمانية أخرى، أو إمبراطورية فارسية، أو دولة خلافة.

&

&

&