&&فـــؤاد مطـــر&&

على نحو ما كانت عليه الظروف الاقتصادية العالمية في التسعينات ونشأت، لاستنباط وصفات علاجية لتلك الظروف، فكرة تمثلت بتطوير القمة التي عُرفت بـ«قمة الثماني الكبار» وإضافة 12 دولة هي الأهم في القارات المنتمية إليها، فكانت «قمة العشرين».. على ذاك النحو تأتي عشرينية الملك سلمان بن عبد العزيز الراعدة كوصفة لعلاج الظروف الأكثر خطورة وتعقيدًا التي يعيشها العالم العربي والدول الإسلامية عمومًا.

من باب المصادَفة أن العشرينية الاقتصادية العالمية تتشكل من عشرين دولة تمثِّل القارات الخمس وتنوب عن العرب فيها المملكة العربية السعودية، حيث شارك الملك سلمان في آخر قمتيْن، وكان الملك عبد الله رحمة الله عليه شارك في القمة الثالثة التي استضافتْها لندن (2009.4.1)، وفيها التقى للمرة الأُولى بالرئيس باراك أوباما. كما أن العشرينية السلْمانية تتشكَّل من عشرين دولة تمثِّل العالم العربي والإسلامي السُني، وهو تمثيل يغيب فيه الجناح الشيعي وذلك بسبب التغريد الإيراني خارج أجواء الوفاق الإسلامي وإصرار الثورة الإيرانية على التدخل في شؤون الآخرين، وتعطيلها مسيرة الاستقرار في دول الجوار إلى جانب اعتبار الكيانات العربية مستباحة للحكم الإمبراطوري الفارسي بطبيعته المذهبية. وعند التأمل في الذي مُني به لبنان وانتهت إليه سوريا بعد العراق وما حاصل لليمن والقلق الذي يساور أهل البحريْن وكيف أن الوفاق الفلسطيني بات بفعل التدخل الإيراني أكثر الظواهر غرابة في صف أهل القضية الواحدة، يتأكد لنا كم أن الجار الإيراني لا يبغي خيرًا لمن يجاوره ولا يريد استقرارًا لمن هو بعيد عنه.

حتى يوم الخميس 10 مارس (آذار) 2016 لم يكن هنالك مَن يتوقع أن يرى عبْر الفضائيات هذا المشهد الغائب أو فلنقل المغيَّب عن الأمتيْن منذ بضع سنوات كان الإحباط خلالها يتسرب إلى النفوس. ثم يأتي المشهد الذي نشير إليه والذي يمثّل الأمتيْن خير تمثيل. عشرون دولة عربية وإسلامية تشارك وعلى مستوى القمة أو مَن يمثّل الرجل الأول، الملك سلمان بن عبد العزيز رؤيته الهادفة إلى درء المخاطر عن الأمتيْن. ويحضر هؤلاء إلى جانب خادم الحرمين الشريفين التمرين الختامي لمناورة «رعد الشمال» التي هي الأكبر في تاريخ المنطقة. أحاط بالملك سلمان من على يمينه وعلى يساره رموز أهل الحُكْم في العشرين دولة المشاركة وتابع هؤلاء المناورة المتقنة إعدادًا وحماسة. وهكذا التقى الجناح المشرقي من الأمة مع الجناح المغاربي ومع العمق الأفريقي وصولاً إلى البعد الآسيوي.

من هنا فإن أهمية المناورة تجاوزت المألوف في عالم المناورات التي تجريها الجيوش، أي بما معناه أنها تمهد لقرار تجسِّده المناورة بما يظهره المشاركون فيها من أفراد في مختلف القطاعات من مهارات وما يتم عرضه من أنواع الأسلحة التي توضح الواجب العسكري الآتي لما بعد المناورة. وعمومًا إن متابعة المناورة في بدئها أو عند نهايتها تقتصر على كبار القادة العسكريين وأحيانًا رئيس الدولة التي يُجري جيش البلاد مناورة بهدف اختبار القدرات. أما الذي حدث فهو أن المشهد الأخير من مناورة «رعد الشمال» كان بمثابة قمة لأهل القرار الذين مجرد مشاركتهم شخصيًا تعطي الرسالة التي وجَّهتها المناورة بُعدًا سياسيًا غير خاضع لإعادة النظر. وعندما يتم انعقاد المشهد بدعوة من الملك سلمان وعلى مساحة من الأرض السعودية ارتبطت سابقًا بحراك عسكري لافت، فهذا يعطي المناورة صفة الحدث البالغ الأهمية، كونها غير مسبوقة ظَرْفًا ومكانًا، انطباعًا بأن هدف المناورة يتحقق بانكفاء الطرف الإيراني وإثبات حُسْن النية في التكاتف من أجل وضْع المنطقة على سكة الاستقرار والسُمعة الإسلامية عمومًا في دائرة الثقة والطمأنينة.

وإلى ذلك فإن التأمل في طبيعة العشرينية الراعدة لجهة الزمان والمكان والتنوع الذي اتسمت به مناورة «رعد الشمال» وبالذات اليوم الأخير منها يجعلنا نلحظ خيطًا متينًا يربط هذا الحدث العسكروسياسي بما سبق أن أورده الملك سلمان، في خطبة البيعة قبل سنة ومن باب المصادَفة في اليوم نفسه (10 مارس 2015)، الذي كان محاطًا برموز تسع عشرة دولة عربية وإسلامية ومعهم ولي العهد الأمير محمد بن نايف وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. ففي تلك الخطبة التي كان جوهر بعض عباراتها بمثابة «خريطة طريق» للعهد الواعد والميمون قال «إن سياسة المملكة الخارجية ملتزمة على الدوام بتعاليم ديننا الحنيف الداعية للمحبة والسلام، وفقًا لجملة من المبادئ، أهمها استمرار المملكة في الالتزام بالمعاهدات والاتفاقيات والمواثيق الدولية، بما في ذلك احترام مبدأ السيادة، ورفْض أي محاولة للتدخل في شؤوننا الداخلية، والدفاع المتواصل عن القضايا العربية والإسلامية في المحافل الدولية بشتى الوسائل، وفي مقدمة ذلك تحقيق ما سعت وتسعى إليه المملكة دائمًا من أن يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، كما أننا سائرون إلى تحقيق التضامن العربي والإسلامي بتنقية الأجواء وتوحيد الصفوف لمواجهة المخاطر والتحديات المحدقة بهما».

ولأن هذا الذي حدده الملك سلمان كأهداف في «خريطة طريق» يربك الطرف الإيراني وتطلعاته، فإن أهل الحكم في إيران أمعنوا على مدى سنة وباندفاع ملحوظ وتدخلات استعدائية تعطيلاً حيث القدرة على التعطيل، كما الحال في لبنان، وأمعنوا ترغيبًا لرئيس النظام السوري بشَّار بإعادة زمن الهيمنة السورية على لبنان إذا هو سار في ركابهم وتخلى عن بني قومه العرب فأصغى إليهم واضعًا سوريا في جحيم الاحتراب وفواجع العيش ومتاهات اللجوء واستدعاء الروسي يكمل ما بدأه الإيراني وما تواصل فيه أطياف لبنانية وعراقية وإيرانية من عمليات مبغوضة وبذرائع غير مقنعة.

وأما سائر الدول العربية والإسلامية فإنها انتظرت طويلاً لكي يترجم الملك سلمان مفردات تلك الخريطة إلى أفعال. وهو عندما بات لا بد من العزم والحزم من أجل الحسم عقد ومَن حوله على مدى سنة في دفة القيادة من القمم والمشاورات المقرونة بسعة الصدر والتخطيط المتقن، ما انتهى إليه التحضير للعلاج بالكي، إذا جاز القول، في حال لم يرتدع مَن يتدخل ويتوارَ مَن يمتهن الإرهاب.

وهذا المشهد البانورامي على أرض المناورة الذي تابعه الملايين من أبناء الأمة ترك انطباعًا بأن لَم الشمل ليس على الاستحالة التي ارتسمت ملامحها في الأفق.. إنما في حال كانت النوايا سليمة والحرص على السمعة والهيبة متلازمًا مع الإيمان بالأوطان والثقة بالنفس.

وفي ضوء توافُر هذه الركائز كانت العشرينية السلْمانية، التي تمثِّل تسعين في المائة من العرب والمسلمين، مَلْمحًا بالغ الأهمية بالنسبة إلى الأمن العربي - الإسلامي كما العشرينية العالمية، القمة الاقتصادية الدولية، التي تمثِّل 65 في المائة من سكان العالم، بالنسبة إلى الظروف الاقتصادية في العالم عندما تعصف بها المفاجأة. وكلتا القمتيْن العشرينيتيْن هما لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.. وفي ساعة الشدة التي هي بقوة الأعاصير أحيانًا.

&

&

&