خيرالله خيرالله &

مثلما سيطر «داعش» على تدمر قبل سنة، خرج منها بعد سنة. اننا امام مسرحية شهدتها تدمر تدلّ مرّة اخرى، ان دلّت على شيء، فعلى مدى التواطؤ القائم بين النظام السوري والمجموعات الارهابية التي تعتبر جزءا لا يتجزّأ من تركيبته ومن ممارساته.&

يسعى النظام السوري حاليا الى الترويج لانتصار تحقّق بفضل الدعم العسكري الروسي والميليشيات المذهبية التي وضعتها ايران في خدمته. لا يعرف هذا النظام انه سقط منذ فترة طويلة وانّ وجوده الشكلي عائد الى رغبة في الانتهاء من سورية التي عرفناها والحاجة اليه في تحقيق هذه الرغبة. وهذا هدف روسي ـ اميركي ـ ايراني ـ اسرائيلي في الوقت ذاته.

&انسحب «داعش» الى الرقّة ودير الزور تحت انظار الذين يدّعون انهم يشنون حربا عليه. هل كان صعبا على الطائرات الأميركية تحديد خط سير القوافل التي كانت تقل عناصر «داعش» المنسحبة بانتظام من تدمر؟&

كانت كل قافلة تضم عشرات السيارات، التي يسهل كشفها ليلا ونهارا، لكنّ الواضح ان ليس هناك من يريد رؤية «داعش»، خصوصا اولئك المتواطئين معه، من الذين يريدون خلق انطباع، بين حين وآخر ومتى تدعو الحاجة، بانّ النظام السوري قادر على تحقيق انتصارات على شعبه... وانّه يحارب الارهاب فعلا!&

حسنا، عاد النظام الى تدمر. ما الذي سيفعله غدا؟ مرّ يوم غد، ماذا عن اليوم الذي بعده؟&

دخلت سورية لعبة جديدة. هل دخلت الفصل الاخير من اللعبة ذات الطابع المأسوي اكثر من ايّ شيء آخر؟ هل ما نشهده اليوم هو الفصل الاخير، ام لا تزال هناك فصول اخرى تحتاج لاعبين آخرين ما زالوا بعيدين عن المسرح مثل تركيا، على سبيل المثال وليس الحصر؟

&اعاد الروس النظام الى تدمر بالتفاهم مع «داعش» الذي لم يكن، في مرحلة معيّنة، سوى حجة لتبرير التدخل العسكري لموسكو. كانت تلك العودة الى تدمر، التي ترافقت مع غارات شنتها طائرات «سوخوي»، دليلا على ان الانسحاب العسكري الروسي لم يكن سوى انسحاب جزئي وان هناك اهدافا محددة تسعى روسيا الى تحقيقها بالتفاهم مع الولايات المتحدة وايران... واسرائيل طبعا.

&ليس سرا، في موازاة عودة النظام الى تدمر، انّ الاكراد بدأوا يمارسون الحكم الذاتي في مناطق معيّنة من الشمال السوري. هناك على سبيل المثال صورة عن «ايصال قبض» صادر عن «الادارة الذاتية الديموقراطية» في «مقاطعة عفرين ـ سورية». يتعلق الايصال بمبلغ قبضته الادارة الذاتية الكردية عن طريق «هيئة المالية ـ ادارة الجمارك». هل هذه سورية الجديدة في ظلّ التدخل العسكري الروسي وتفاهمات جون كيري ـ سيرغي لافروف والغطاء الذي توفّره الامم المتحدة عن طريق رجل العلاقات العامة الذي اسمه ستيفان دي ميستورا... او عن طريق بان كي مون الامين العام للمنظمة الدولية الذي لم يتردد في الاشادة باستعادة النظام لتدمر؟&

كذلك، لم يعد سرّا ان التسوية في سورية تسير في اتجاه محدد يقوم على تقسيم البلد بما يتلاءم مع مصالح اطراف عدة يهمّها الانتهاء من نظام الاسد الذي ادّى المهمة المطلوبة منه في عهدي الاب والابن، بل منذ كان حافظ الاسد وزيرا للدفاع ابتداء من العام 1966 واشرافه على تسليم الجولان، تسليم اليد، الى اسرائيل.&

لعب النظام كلّ الادوار المطلوب منه ان يلعبها، بما في ذلك حماية اسرائيل طوال نصف قرن. شملت هذه الادوار التدمير الممنهج للبنان ونقل سورية الى نظام الحزب الواحد، وهو حزب البعث، وذلك لتأمين الهيمنة العلوية على البلد وصولا الى هيمنة العائلة ابتداء من العام 2000، حين ورث بشّار الاسد سورية عن والده.&

ما الذي يمكن ان يتضمنه الفصل الاخير من اللعبة السورية؟

&من الواضح ان الادارة الأميركية تفاهمت مع فلاديمير بوتين على ان لا مستقبل في سورية لبشّار الاسد. لكن الاميركيين اعطوا الروس الضوء الاخضر الذي يسمح لهم باختيار اللحظة المناسبة للقول للاسد الابن ان عليه ان يرحل. مثل هذا القرار المتروك لموسكو يأخذ في الاعتبار المصالح الروسية اوّلا. هناك اعتراف اميركي صريح بوجود هذه المصالح الروسية في سورية.

&كيف ستستخدم موسكو هذا الاعتراف الاميركي؟ الجواب، بكل بساطة، هل هناك من هو مستعد لدفع الثمن الذي يريده فلاديمير بوتين في مقابل رأس الاسد الابن؟

&الثابت ان روسيا التي تعاني من ازمة اقتصادية عميقة ستعمل من اجل رفع اسعار النفط والغاز التي تبقى مسألة حياة او موت بالنسبة اليها. هذا لا يمكن ان يحصل من دون تفاهم مع المملكة العربية السعودية القادرة على لعب الدور الاساسي في هذا المجال. هل يحصل مثل هذا التفاهم السعودي ـ الروسي عندما يزور الملك سلمان موسكو قريبا؟

&استعادت القوات التابعة للنظام تدمر ام لم تستعدها. مثل هذا التطور لا يقدّم ولا يؤخّر. هناك فصل اخير من المأساة السورية في حاجة الى عملية اخراج لا تزال في انتظار بعض اللمسات الضرورية، علما ان ما لا يمكن تجاهله في اي شكل هو ذلك الاصرار لدى الشعب السوري على ان تكون له الكلمة الاخيرة له في شأن مستقبل البلد.

&مرّة اخرى، فاجأ الشعب السوري المتعاطين بأزمة البلد عندما نزل الى الشارع مؤكّدا ان رحيل بشّار الاسد لا يمكن ان يكون موضوع مساومات. في كلّ يوم جمعة يؤكّد السوريون، عبر التظاهرات السلمية، انّهم ما زالوا في قلب المعادلة. انّهم الحلقة الاساسية في المعادلة. من الصعب ان يقبل السوريون بعد كل هذه التضحيات ان يأتي من يقرر عنهم مصير بلدهم وان يبيع ويشتري على حسابهم وعلى حساب الدماء التي بذلوها.&

من سيتولى دور المخرج للفصل الاخير من المأساة السورية؟&

ترك الاميركيون المسألة لفلاديمير بوتين القادر على التنسيق مع اسرائيل وايران والتحكّم بالنظام وما بقي منه وبالعلاقة القائمة بين النظام و«داعش». ليس معروفا الى اي حد يمكن تجاهل السوريين العاديين الذين ما زالوا متمسّكين بوحدة الكيان والذين فاجأوا العالم قبل خمس سنوات بثورة عارمة حقيقية على نظام لم تكن لديه في يوم من الايّام سوى تحويلهم عبيدا لديه... بتواطؤ اميركي ـ روسي ـ ايراني ـ اسرائيلي، وحتّى عربي للاسف الشديد.&

وحده الشعب السوري الذي لم يتوقّف عن تقديم التضحيات، يبدو قادرا على قطع الطريق على بوتين الذي يتبيّن كلّ يوم انّه يمارس لعبة تفوق حجم روسيا وقدراتها. لو كان لروسيا الحجم والقدرات التي يتخيّلها بوتين... لكان الاتحاد السوفياتي لا يزال حيّا يرزق!