&فيصل جلول

ليست حروب العالم العربي داخلية فحسب، هي أيضاً خارجية وربما بالقدر نفسه إن لم يكن أكثر. لقد رأينا كيف أن الحروب الثلاث الأخطر في تاريخ العرب القريب، قد اندلعت في سياق «الربيع العربي» في ليبيا وسوريا واليمن، ونلاحظ اليوم كيف أن الحروب نفسها، تشهد مفاوضات جدية إلى هذا الحد أو ذاك لطي صفحتها، والبحث عن تسويات سياسية وفقاً لخلاصة واحدة.. لا حل عسكرياً للأزمة والحل السياسي هو الوحيد الممكن والمتاح.

وكانت قرارات دولية قد صدرت بخصوص البلدان الثلاثة في الأمم المتحدة، برعاية الدول الكبرى، التي دعمت أو شاركت أو حرضت على الحروب في سوريا واليمن والعراق، فالحلف الأطلسي هو الذي أشرف على إسقاط النظام الليبي السابق بزعامة العقيد الراحل معمر القذافي، والمبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر هو الذي يرعى اليوم الحل ويبحث عن التوافق حول حكومة الرئيس فايز السراج الذي يستفيد من حماية ألف جندي أجنبي في القاعدة البحرية في طرابلس العاصمة.

ونبدأ من اليمن حيث يدور حديث جدي عن مفاوضات ستتم في الكويت أواسط الشهر الجاري. وعن وقف شامل لإطلاق النار في العاشر منه، يشمل كل الأراضي اليمنية. ويأتي هذا الإعلان بعد تصريحات جدية حول وقف الحرب، أدلى بها ولي ولي العهد السعودي ووزير الدفاع محمد بن سلمان، وعن قرب التوصل إلى تسوية بين أطراف الأزمة اليمنية، مشيراً إلى مفاوضين حوثيين في الرياض. ويدير المفاوضات في هذه الحرب أيضاً مبعوث الأمم المتحدة إسماعيل ولد الشيخ، علماً أن الأزمة اليمنية وضعت تحت البند السابع في الأمم المتحدة.

وفي سوريا يرعى المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا مفاوضات بين السلطة والمعارضة، ضمن مخطط لوقف الحرب في هذا البلد. والواضح أن الدول الكبرى تريد إقفال هذا الملف أيضاً، في سياق تعاون روسي ــ أمريكي لا ينقطع حتى يستأنف بطريقة أقوى وأكثر أهمية. وإذ كان التقارب بين الطرفين الرسمي والمعارض ما زال محدوداً، فالراجح أن يؤدي التوافق الدولي إلى حل الأزمة، والى قطع «خط الرجعة» أمام الطرفين.

وفي ليبيا انتهت المفاوضات الماراثونية في المغرب وفي الجزائر إلى تعيين مجلس رئاسي ليبي، وحكومة وحدة وطنية، بمشاركة كل الأطراف. وقد تمكنت الحكومة الجديدة أو على الأقل رئيسها فايز السراج وبعض وزراء حكومته من الاستقرار في طرابلس. ولم تمض أيام محدودة على مجيئها، حتى أعلن البنك المركزي الليبي الخضوع لها، وكذلك شركة النفط الوطنية الليبية، فضلاً عن جهاز حماية المواقع البترولية وجهاز الشرطة في العاصمة. ومن المنتظر أن تضغط الدول الكبرى على حكومة طبرق كي تمحض السراج تأييدها وأن تطلب منها على جناح السرعة دعوة مجلس النواب المعترف به دولياً في طبرق، إلى عقد جلسة استثنائية من أجل منح حكومة السراج الثقة بوصفها الحكومة الشرعية الوحيدة في البلاد.

تجدر الإشارة إلى أن أكثر من مئة نائب في طبرق، منحوا السراج ثقتهم في عريضة نيابية، بينما المطلوب بحسب الدستور أن يعقد المجلس جلسة رسمية يقرر خلالها منح الثقة.

أغلب الظن أن الإرادة الغربية جادة في إيجاد حلول سلمية، وبالتالي الخروج من الحروب الثلاث، وذلك ناجم عن خطر «داعش» الذي يهدد حكومات المنطقة بأسرها وليس فقط البلدان المنكوبة. وبما أن «داعش» والحركات الإرهابية الأخرى تنمو بوتيرة متسارعة وتهدد الدول الغربية نفسها ، كما رأينا في تفجيرات باريس وبروكسل، فقد صار شرط التصدي لها هو تشكيل حكومات محلية مستقرة نسبياً وتحظى بما يشبه الإجماع، وبالتالي صار بوسعها كما هو الحال في ليبيا، إعطاء الشرعية للقوات الأطلسية كي تدمر قواعد «داعش» التي انتشرت على نطاق واسع بعد الفوضى التي تلت انهيار حكم الرئيس السابق معمر القذافي.

والعامل الثاني الذي يحث الدول الغربية على إنهاء هذه الحروب، يتمثل في الهجرة العشوائية إلى أوروبا التي تشكل تحدياً ديموغرافياً وعنصرياً وأمنياً في غاية الأهمية، فضلاً عن كونها ورقة ابتزاز تستخدمها الحكومة التركية للحصول على أفضليات في نقاش مشروع انضمامها للاتحاد الأوروبي ومن ثم الحصول على مساعدات مالية.

يبقى العامل الثالث والأهم، فقد تبين أن الحرب لم تفلح في قلب أوضاع هذه البلدان، وأن استمرارها يهدد الجميع وبالتالي صارت أولوية مكافحة الإرهاب تتفوق على ما عداها، خصوصاً أن «داعش» ومعها منظمات إرهابية صغيرة تمكنت من إقامة ملاذات شبه آمنة في هذه البلدان في فترة زمنية قصيرة وبالتالي صار الوقت يلعب لصالحها.

حروب ثلاث اندلعت في وقت واحد تقريباً في ثلاثة بلدان، طاف عليها «الربيع العربي» فأنجبت «داعش» و«النصرة» وأخواتهما وصار خروجها من الحرب شرطاً للانتصار على عدوها وعدو عدوها.