&&هدى الحسيني&&

عقدت في واشنطن الأسبوع الماضي قمة الأمن النووي، وفيها قال الرئيس الأميركي باراك أوباما، إن احتمال قيام إرهابيين بمحاولة هجوم نووي «يغير عالمنا» هو خطر حقيقي. في الواقع لا يبدو هذا الخطر بعيدًا كما كشف تقرير أعده باحث في جامعة «هارفارد»، حيث توصل إلى أن الجماعات الإرهابية قد تكون أقرب إلى نشر فوضى إشعاعية، أكثر مما نعتقد.

وكان مقتل حارس في منشأة نووية بلجيكية بعد يومين فقط من هجمات بروكسل، إلى جانب أدلة تشير إلى أن منتمين إلى تنظيم «داعش» كانوا يراقبون باحثين نوويين في بلجيكا، ما أثار مخاوف حول «داعش» والإرهاب النووي.

في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، اكتشفت الشرطة البلجيكية فيلمًا يتابع تحركات باحث بلجيكي وعائلته، وكان يعمل في المنشأة النووية «DOHEL - 1» وهي واحدة من 7 مواقع للإنتاج النووي في بلجيكا، 4 في منطقة «دوهل» و3 في منطقة «تيهانج».

تم العثور على هذا الفيديو في منزل محمد بقالي الذي له علاقة بـ«داعش». وحسب التحليل، فإن الإرهابيين المتطرفين لم يكونوا مهتمين بالمنشأة النووية كثيرًا إنما بإمكانية استعمال النظائر المشعة، وهي منتجات قادرة على التسبب بحالات التسمم والأمراض واضطرابات دائمة أو مؤقتة لمن يرتطم بها لفترة من الوقت. الخطير في هذا الفيديو أن لقطاته جمعها الشقيقان إبراهيم وخالد البكراوي منفذا عمليات بروكسل. من هنا يقول ماثيو بان الباحث المشارك في «مشروع إدارة الذرة» في مركز «بلفر» في جامعة هارفارد، «إن التهديد حقيقي».

وكانت بلجيكا شهدت عدة أحداث مشبوهة تتعلق بالمواد والمنشآت النووية؛ ففي أغسطس (آب) 2014 أقدم عامل في المنشأة «DOHEL - 4» على فتح صمام وأفرغ توربينات زيوت التشحيم. لم يكن الصمام قريبًا من أي مواد نووية، لكن هذا العمل تسبب بأضرار كلفت 100 مليون دولار. والعام الماضي اكتشفت السلطات البلجيكية أن العامل المغربي إيلياس بوغالب والمنتسب إلى مجموعة «الشريعة لبلجيكا» ترك عمله فجأة في المنشأة الأخيرة، لينضم إلى «داعش» في سوريا. وكانت مجلة «تايم» الأميركية ذكرت في عددها الأخير، أن 12 عاملاً في محطة نووية بلجيكية جردوا من شارات الدخول، 8 قبل تفجير مطار بروكسل، و4 بعد التفجير.

ثم جاء العثور على جثة الحارس في 24 من الشهر الماضي، فأعلن المدعي العام البلجيكي عدم علاقة مقتله بالإرهاب، ونفى أن تكون شارة الدخول سرقت منه. لكن المراقبين يقولون إنه بغض النظر عن ظروف مقتل الحارس في مؤسسة «فلوروس» للعناصر المشعة، فإن الأدلة التي تشير إلى نية «داعش» في إحداث فوضى نووية تتصاعد سواء عن طريق إلحاق الضرر بمنشأة نووية، أو عبر إدخال مواد مشعة إلى قنبلة تقليدية، أو حتى تصنيع قنبلة ذرية من اليورانيوم العالي التخصيب.

بعد تفجيرات بروكسل، كشفت الشرطة البلجيكية أن أكثر من 50 شخصًا معروفين بدعمهم لـ«داعش» يعملون في المطار كحاملي حقائب، أو عمال نظافة أو موظفي مطاعم، وأن لديهم الفرص للوصول إلى قاعات المسافرين، والممرات الخلفية والمدارج وحتى الطائرات نفسها. وسبق لدول عدة أن وجهت تحذيرات بهذا الخصوص إلى بلجيكا، إلا أن السلطات هناك لم تفعل شيئًا. وبرزت أخطار من داخل محطات الطاقة النووية، بعدما تبين وجود راديكاليين متشددين يعملون في منشأتين نوويتين، وهروب اثنين منهما للانضمام إلى «داعش».

التقصير الأمني البلجيكي، حيث مقر الحلف الأطلسي، والبرلمان الأوروبي، يعود إلى سنوات عدة. فالتونسيان اللذان انتحلا صفة صحافيين وقتلا أحمد شاه مسعود الزعيم المناهض لحركة «طالبان» في وادي بانشهير في أفغانستان، قبل يومين من هجمات 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية، خرجا من حي مولينبيك في بروكسل، الذي لا يزال إلى اليوم ملتقى المتطرفين الإسلاميين، والذين منهم خرج منفذو عمليات باريس وبروكسل الإرهابية.

عام 2003 أشارت تقارير إلى محاولة لاعب كرة القدم البلجيكي نزار طرابلسي وضع متفجرة في منطقة «كلاين بروجيل» العسكرية التي تبعد 18 ميلاً عن مركز للأبحاث النووية، وفيها أسلحة نووية تكتيكية مخصصة للقاذفات الأميركية. وكانت الولايات المتحدة أوقفت عام 2004 إرسال شحنات دورية من المواد المشعة إلى مركز الأبحاث النووية SCK - CEN الذي يبعد 53 ميلاً عن بروكسل، بسبب ضعف الهيكلية الدفاعية عنه في ضوء هجوم محتمل من قبل تنظيم «القاعدة» آنذاك.

وحسب تقرير هارفارد، فإن تعزيز الأمن في المواقع النووية يترك الكثير من المواد المشعة الأخرى محمية بشكل ضعيف. في تقريره كشف ماثيو بان: أن المواد الإشعاعية المعرضة للسرقة متاحة في مواقع كثيرة كالمستشفيات والمناطق الصناعية أكثر مما هي في مركز SCK - CEN، فمثل هذه المواد تسمح للإرهابي بتحويل انفجار عادي الحجم إلى كارثة، بحيث يتسبب بتسميم منطقة بكاملها، تكون تكاليف تنظيفها باهظة، وتترك آثارًا خطرة على المصابين وعلى الذين هبوا للإنقاذ.

ويقول أحد المتابعين لنشاط المتطرفين الإسلاميين إن هناك خطة صريحة وضعها أسامة بن لادن لضرب الغرب، رخيصة جدًا للذين يشنونها، إنما مكلفة جدًا وأكثر من اللازم للذين سيدافعون عن أنفسهم. ويضيف: مقارنة بسيطة بالأموال الشحيحة نسبيا لهجمات سبتمبر 2001، فقد كلف بن لادن و«القاعدة» ما يزيد على 3 مليارات دولار، من معايير جديدة للأمن والسلامة، وجزء من العمليات السرية التي أدت في نهاية المطاف إلى قتله في غرفة نومه.

العمليات الإرهابية في باريس وبروكسل هي بداية جديدة لهذه الحرب، وحسب ماثيو بان فإن «هذا هو السبب كي نكون حذرين للغاية من القنابل القذرة، أي النووية، التي هي بالتأكيد الهدف الحقيقي الآن لـ«داعش».

من الصعب تقدير عدد المواقع الموجودة اليوم في العالم، حيث يتم إنتاج النظائر المشعة وتخزينها، لكن أفضل الإحصاءات المتوفرة الآن تشير إلى 70 ألف نظام للتخزين في ما لا يقل عن 13 ألف منشأة. ثم إن وحشية الهجمات الأخيرة وحجم الشبكة الإرهابية الواسع التي اكتشفت في بلجيكا يمكن تفسيرها بأن بلجيكا هي واحدة من أهم المنتجين الرئيسيين في العالم للنويدات المشعة. وتجدر الإشارة إلى أن المحطات النووية البلجيكية توفر 50% من كهرباء ذلك البلد.

هذه الأحداث التي انكشفت أكثر بعد عمليات بروكسل الإرهابية فتحت أعين المتابعين الأميركيين لأنشطة الإرهابيين في أوروبا، ذلك أن الساحل الشرقي للولايات المتحدة فيه عدد من المحطات النووية التي يمكن اعتبارها أهدافًا للإرهابيين، ويمكن لطائرة في رحلة من أوروبا إلى الولايات المتحدة أن يتم تفجيرها فوق أحد هذه المرافق «والوقت الذي سيتم الكشف فيه عن أن الطائرة مختطفة – إذا أصبح معروفًا – لن يكون كافيًا لدرء الكارثة».

يقول مصدر أمني بريطاني: «لقد وصلت (ميليشيا البغدادي) إلى المواقع النووية لنظام الرئيس السابق صدام حسين، ويفترض أنها صارت تملك كمية كافية من المواد المشعة لصنع «قنبلة قذرة» يمكن أن تصيب مدينة صغيرة. ووفقًا لأحكام الحرب الاقتصادية غير المتكافئة التي بدأها بن لادن ويستمر بها البغدادي، فإن هذا هو المطلوب بالضبط»، ويضيف: «إن القنابل القذرة تسمى أسلحة تعطيل شامل وليس أسلحة دمار شامل».

يبقى أن الكابوس الأكبر في نهاية المطاف قد يكون على شكل قنبلة نووية مصنوعة من اليورانيوم العالي التخصيب. كتب ماثيو بان في تقريره أنه كان من الصعب جدًا على انتحاريي بروكسل سرقة يورانيوم عالي التخصيب من مركز SCK - CEN. لكن حتى الآن وقع الكثير من سرقات المواد المشعة، وحسب ما نعلم أقدم «داعش» في العراق وسوريا على سرقتين من هذا النوع، وكانت الحكومة العراقية أعلنت عن ذلك. بالمناسبة كم عدد الشيشانيين الذين يقاتلون في صفوف «داعش» في سوريا والعراق، ولهؤلاء تاريخ في سرقة هذه المواد واستعمالها؟

حسب ما تقدم، فإن انجذاب «داعش» للحصول على مواد نووية في ازدياد. أما ساحات التجارب مع السوق السوداء لهذه المواد، فإنها تمتد من الدول العربية كلها، إلى الأفريقية حتى أوروبا، ولن تكون الولايات المتحدة بعيدة عن ذلك!

&

&

&