&أحمد الجميعـة

«موقف المملكة تجاه مصر واستقرارها وأمنها ثابت لا يتغيّر، وعلاقة المملكة ومصر أكبر من أي محاولة لتعكير العلاقات المميزة والراسخة بين البلدين الشقيقين».. هكذا لخّص الملك سلمان العلاقة التاريخية والوثيقة بين الرياض والقاهرة في أول اتصال مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بعد شهر من توليه -حفظه الله- مقاليد الحكم في البلاد، ونقلها في أقل من عام من مرحلة «التعاون» إلى «التحالف»، وهو منعطف مهم على مستوى العلاقة والتوقيت، حيث تشهد المنطقة العربية «فوضى خلاقة» استلزم معها نهوض البلدين في مهمة التصدي، والتحالف معاً عسكرياً وأمنياً واقتصادياً لمواجهة خطر التمدد الإيراني المدعوم من قوى النفوذ والهيمنة والتقسيم من جهة، وما أسفر عنه من ظهور جماعات وتنظيمات وميليشيات إرهابية طائفية تهدد الوحدة العربية والإسلامية من جهة أخرى.

الملك سلمان في زيارته اليوم إلى القاهرة يستذكر معها حتماً التاريخ؛ حين كان الملك المؤسس -طيب الله ثراه- في المكان ذاته قبل 70 عاماً وتحديداً في العام 1946؛ لتفعيل معاهدة الصداقة بين البلدين الموقعة في العام 1926، وتجذير العلاقة على أساس من الاحترام والتعاون والتضامن العربي، وما تبع ذلك من اتفاقية الدفاع المشترك في عهد الملك سعود العام 1955، وإعلان المملكة التعبئة العامة لمواجهة العدوان الثلاثي على مصر العام 1956، وكان من بين المتطوعين حينها الملك سلمان، ودعم المملكة بقيمة مئة مليون دولار لبناء السد العالي، والموقف التاريخي للملك فيصل بوقف النفط في حرب مصر مع العدو الإسرائيلي في أكتوبر 1973، وافتتاح الملك خالد -في أول زياره خارجية له بعد توليه مقاليد الحكم- حي الملك فيصل بالقاهرة العام 1975، وموقف الملك فهد في القمة العربية الاستثنائية في القاهرة في شهر أغسطس 1990، ودوره مع مصر في توحيد الصف العربي إبان الغزو العراقي للكويت، والبيان التاريخي للملك عبدالله في أغسطس 2013 لاستعادة دور مصر العربي بعد ثورة 30 يونيو.

الملك سلمان يستذكر هذا التاريخ، وهو شاهد على كثير من تفاصيله، ويعمل اليوم مع أخيه الرئيس عبدالفتاح السيسي على تطوير هذه العلاقة وتعميقها، وفعلاً كانت البداية بإعلان القاهرة في يوليو العام المنصرم أثناء زيارة ولي ولي العهد، حيث تم الاتفاق على وضع حزمة من الآليات التنفيذية للتعاون العسكري والاستثمار، ومن ذلك إعلان مجلس التنسيق السعودي المصري عن توجيهات الملك سلمان بزيادة استثمارات المملكة في مصر إلى 30 مليار دولار، وتوفير احتياجات مصر من البترول لمدة خمس سنوات، ودعم حركة النقل في قناة السويس، ومشروع الملك سلمان لتطوير سيناء، وما سيتبع ذلك من توقيع جملة من الاتفاقيات البينية بين البلدين ومذكرة التفاهم، بما فيها اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي، ورسم الحدود البحرية بين البلدين، والربط الكهربائي، والطاقة، ومشروعات البناء والتعمير المدعومة من صندوق الاستثمارات العامة.

المملكة ومصر في مهمة تحالف عسكري في «عاصفة الحزم» و«التحالف الإسلامي لمواجهة الإرهاب»، ومشاركة متميزة في «رعد الشمال»، وهي رسالة أخرى على عمق العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، إلى جانب تطابق وجهات النظر في قضايا الأمة، وتحديداً في تحقيق الأمن والاستقرار في اليمن وسورية والعراق ولبنان وليبيا، والموقف من القضية الفلسطينية، ومحاربة الإرهاب، والبرنامج النووي الإيراني، حيث تمثّل هذه القضايا محوراً مهماً في مباحثات الزعيمين لدعم وحدة الصف العربي في هذه المرحلة الدقيقة، والتصدي لمشروع إيران الإرهابي والطائفي في المنطقة.

الملك سلمان في القاهرة رسالة دعم لمصر أرضاً وشعباً وحكومة، ورسالة اطمئنان للعرب لاستعادة دورهم وحضورهم، ورسالة ثالثة للعالم من أن العرب أمة لا تهزها العواصف، ولا تعيقها الأزمات، مادامت المملكة ومصر في سفينة واحدة، ويجمعهما مصير مشترك، وأخوة تدوم بين الشعبين الشقيقين.