&غازي العريضي

سُرّبت تقارير عن تفاهمات روسية - أميركية حول ترحيل الأسد إلى دولة ثالثة في سياق التحضيرات للجولة الجديدة من المفاوضات، وبعد زيارة وزير الخارجية جون كيري إلى موسكو ولقائه الرئيس فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرجي لافروف، وتصريحات للأسد أكد فيها أن «الحل هو في استمرار القتال ضد الإرهاب»! مستقوياً بما تمّ إنجازه في عدد من المناطق والمدن السورية ولاسيما تدمر! الجانب الروسي نفى نفياً قاطعاً أن يكون ثمة اتفاق حول مستقبل الأسد. بالعكس قال عدد من المسؤولين الروس إنه تمّ الاتفاق على عدم طرح موضوع الأسد في الجولة الجديدة من المفاوضات! الكلام أحرج الأميركيين فأكدوا: «أن مشاركة الأسد في حكومة وحدة وطنية في سوريا لا يمكن أن تكون مقبولة من الولايات المتحدة»! كلام يتجاوز حدود الاتفاقات السابقة التي كان فيها اتفاق على حكومة بوجوده تقرّ قانوناً للانتخاب وتعد دستوراً جديداً للبلاد! وبعد الكلام الروسي عالي اللهجة في انتقاد الموقف الأميركي، قال الروس: «البحث مع الأميركيين يدور حول إمكانية تقليص نفوذ الأسد. فلا يمكن استبداله ولا يمكن الضغط عليه بالقوة. وإذا فعلنا ذلك سيؤدي إلى الفوضى».

فردّ الأميركيون: «إذا لم يتمّ تقدّم على هذا الصعيد فكل شيء سينهار لأن المعارضة والحلفاء لن يقبلوا، ولا يمكن ضبطهم. وستكون هناك وسائل عسكرية إضافية لدى المعارضة»! في الكواليس الأميركيون مقتنعون بأن «ثمة صعوبة في دفع الأسد إلى التنحي. هو لن يفعل ذلك». ومقتنعون في الوقت ذاته برغبة الروس في التعاون. وسنرى معهم «كيف يمكن دفع الأسد إلى المرونة والدخول في العملية السياسية الانتقالية»، لكن أسئلة كثيرة تطرح حول الموقف الإيراني. فـ«إيران» لا تبدي مرونة في موضوع الأسد. هي متمسكة ببقائه وقادرة على التأثير السلبي في هذا المجال وإعاقة المفاوضات الجارية. وهي لا ترتاح إلى حصر القرار السوري والحل السوري بالثنائية الروسية الأميركية حتى ولو كان الدور الأكبر للروس إنْ لم نقل التفويض هو لهم لإيجاد حل. ونحن والدول الغربية أبدينا ارتياحاً إلـى تحرير تدمر من «داعش» لكن ذلك لا يعني موافقتنا على بقاء الأسد، ولقد دعونا سابقاً إلى قتال مشترك من قبل المعارضة والنظام للإرهاب. وكنا نقول: لا دور للأسد في المرحلة المقبلة، ولا نزال مقتنعين بوجهة نظرنا. لكن الظروف تتغير بسرعة لاسيما ما يجري في أوروبا، والذي فرض أولوية مواجهته وهو الإرهاب، وهذا ما تريد إيران استغلاله ومعها النظام السوري«!

هذا ما قاله أحد المسؤولين الأميركيين في لقاءات مع عدد من المسؤولين الفرنسيين والعرب في العاصمة الفرنسية منذ أيام! سأله أحد هؤلاء: «يعني تعبّرون عن نيتكم ورغبتكم في بقاء الأسد، وهذا ليس جديداً. لكن في الوقت ذاته تقولون: الواقع لا يخدمنا. والحسابات والظروف الحالية لا تخدمنا. يعني عليكم أن تقبلوا ببقاء الأسد وهذا أقصى ما نقدر عليه، فنحن لن نذهب إلى سوريا لمقاتلة النظام، وهذا كان رأينا من الأساس، لذلك فإن تفاوض الروس معكم وكما يقولون هم، يتجاوز سوريا، بل الأولوية فيه هي أوكرانيا ومصالح روسيا وأمنها والعقوبات عليها وموقعها ودورها على الساحة الدولية، إذ لا أحد هدّد مصالحها في سوريا في السابق ولا أحد يهددها اليوم. مما يعني أن الحرب ستكون طويلة في سوريا لأن المعارضة لن تقبل ببقاء الأسد، الذي حدّد موعداً لانتخابات نيابية خلافاً لقرار مجلس الأمن وخطة دي ميستورا، والذي تحدث عن الحل السياسي، لكن دعا إلى انتخابات رئاسية مبكرة على أن يبقى النظام كما هو، ولا يتحول برلمانياً لينتخب الرئيس من البرلمان، فيبقى انتخابه من الشعب وهو يستقوي إلى جانب تقديم نفسه أنه من الأساس قرأ الحرب حرباً ضد الإرهاب الذي لن ينجو منه أحد، وبالتالي من وجهة نظر الأسد. علينا أن نذهب إلى الاعتذار منه، وفتح السفارات الغربية والعربية، ونموّل نحن إعادة بناء سوريا كما يراها هو ويقدّر كلفة ذلك بـ 200 مليار دولاراً. إنها مهزلة، فماذا ستفعلون»؟

بكل برودة أعصاب واستهزاء أجاب المسؤول الأميركي: (لن نفعل أكثر مما نقدر عليه ونفعله. ونحن كنا صريحين وواضحين من الأساس في تحديد خطواتنا في سوريا وغيرها، لن ننجرّ إلى حروب، لن نقاتل نيابة عن أحد. ضربنا «داعش» في الأيام الأخيرة ومعه «النصرة» ضربات موجعة وسنستمر في ذلك. سنبقى على تعاوننا مع روسيا. وعلى تشدّدنا مع إيران، حيث يجب من دون التردّد في تنفيذ الاتفاق النووي كما وقعناه، وعلى العرب أن يتحمـّلوا مسؤولياتهم ويدركوا كيف يدافعون عن مصالحهم. ونحن قلنا لكم اذهبوا إلى التفاوض مع إيران. دولة موجودة في المنطقة. ونرحّب بما يجري من تفاوض حول اليمن، فليكن تفاوض حول كل القضايا. هذا هو الطريق)!

«ماذا عن إسقاط طائرة حربية روسية بصاروخ أرض جو من قبل المعارضة»؟ أجاب المسؤول الأميركي: «تطور نوعي أقلق الروس. وأقلق الإيرانيين والنظام. بالتأكيـد سيردون»!

قيل له: «يعني الحرب مفتوحة. وستستخدم فيها أسلحة نوعية». قال: «كل شيء ممكن لكن نتمنى ثبات الهدنة وسلوك طريق الحل السياسي». «ماذا عن الأسد»؟ قال: «نحن لا نريده ونأمل التوصل إلى تفاهم مع الروس»!

«ماذا عن إسرائيل»؟ «قصة معقدة وصعبة ولا حلول في الأفق»! كما أجاب.

كلام واضح ودقيق: هدنة مهزوزة في سوريا. والاهتزاز للابتزاز من هنا وهناك. سيبقى الأسد لفترة وستكون دموية بالتأكيد، وربما أعنف من الفترات السابقة! وإسرائيل تستفيد وتستبيح كل شيء وإدارة أميركا تقدّم نوعاً من براءة الذمة أنها كانت واضحة وصريحة وفعلت ما أعلنته وتقول ما لديها بوضوح وتحملوا المسؤولية يا عرب.